الصفحات

الأربعاء، 11 ديسمبر 2013

تفاصيل


صورك
عيناك
بسماتك
نصائحك
كلامك
رقمك على هاتفي
وجودك في عالمى الواقعي والافتراضي
فضولى تجاهك
ولعي بك
احلامي معك
امنياتي لك
كلها أشياء أصارعها يوميا كى أدخلها في صندوق ذكريات اود أن ألقيه في البحر... كل ما أريده الآن أن تخرج من عالمي كأن قدمك لم تطأه يوما ما... أريد أن أركض تحت المطر لساعات كى أنظف روحي مما بقي فيها منك... اتخلص من كل تفاصيلك الصغيرة... من كل انتظار لصدفة تجمعني بك... من كل أمل في لقاء كلما أنار هاتفي باسمك... أريد التخلص من قلبي الذي تتسارع نبضاته كلما التقينا... من كل الكلام المختنق داخل حلقي ولم اقوله لك ولم تسمعه... أريد التخلص منك ومن كل تفاصيلك التي تحتلني!

الجمعة، 6 ديسمبر 2013

كن نذلاً مع الوجع

“الأمل ذروة اليأس.. فيا صاحبي توجع قليلاً.. توجع كثيراً.. فإن الأمل ذاته موجع حين لا يتبقى سواه”

مريد البرغوثي "شاعر وروائي فلسطيني"



لا داعي لأن نكون مخلصين مع أوجاعنا إلي الحد الذي يجعلنا نتذكرها كل صباح، نصطحبها معنا إلي العمل، نراها في كل تفاصيلنا الصغيرة، ونقدم لها قرابين الدموع في المساء.

هذا النوع من الإخلاص في حد ذاتهم موجع، ومحطم للأمل.

الأمل الذي لولا بقاياه التي مازالت تعلق في أروحنا لكنا مثل هؤلاء الزومبي الذين تتحرك أجسادهم بلا أرواح.

بنيت معادلتي في في الحياة على هذا الافتراض، طالما بداخلك شيئاً من الأمل، بداخلك شيئاً من الروح، إذن أنت لازالت حياً.

لكن الأمل والوجع قد يجتمعان، يؤنس كل منهما الآخر.

طموحنا هو الذي يجعلنا نتوجع، أرواحنا هي التي تجعلنا نتوجع، لو لم يكن لنا طموح في شيء، لو لم يكن لنا هدف نسعي لتحقيقه، لما خرجنا من خيالنا الممتع المريح، إلي هذا الواقع الموجع، أملنا في المستقبل هو ما يجعلنا نتوجع في الحاضر، ونتوجع لهذا المستقبل إن لم يأتي على قدر توقعنا وآمالنا فيه.

لكن لماذا يفني كل شيء مبهج أو مريح في واقعنا سريعاً ويبقي الوجع ملازماً لنا.

بهجة الشيكولاتة لا تدوم سوي ساعات، قهوة الصباح ممتعة لدقائق معددوة، ابتسامات الأصدقاء واقعها جيد على النفس، لكن ما إن ندقق النظر في أعين بعضنا البعض، حتي نتذكر أوجاعنا من جديد، ربما الوجع تلك المرة أشد، يرتسم أمامك وجعك لحالك، ووجعك لأشخاص تحبهم.

لماذا نبقي كل أسباب الوجع بداخلنا، لماذا لا نطردها من أعماقنا،

من اختاروا الرحيل بلا عودة، قرروا أن يوجعنا ، لماذا نبقي ملامحهم أمام أعيننا تذكرنا كل لحظة بخيبة آمالنا فيهم؟!

الأحلام التي خانتنا وتخلت عنا لصالح غيرنا، لماذا لا نخونها نحن أيضاً ونرسم لأنفسنا أحلام جديدة، نربيها على الوفاء ونزرع إخلاصنا بداخلها؟!

لماذا لا نقدر على الوفاء لسعادتنا ونخلص سنوات لأوجعانا،لماذا لا نخون الآلم مثلما يخوننا الفرح والسعادة؟!

قليل من الفرح قادر أن يسكن هذه الأوجاع القاتلة، لنكن أنذلاً مع أوجاعنا ولو لوقت قليل.





ســـيـــن

السبت، 12 أكتوبر 2013

لو يدركوا معني الكلمة !

أحب الكتابة.. وأشعر أنها أيضاً تحبني...وأغير على كلماتي إذا عبث بها...

لو يعرفون معني الكلمة... لو يقدرون دلالة كل كلمة !
لكنهم لم يتخطوا بعد أبواب «الموهبة»
كل شيء عندهم عادي... كل شيء عندهم يمر.. لا يعرفون أن الكلمات مثل البشر قد تتشابه... لكن لا تحل كلمة أبداً محل آخري!

وهذا هو الفارق... هذا هو الفارق!!




«عبد الرحمن الشرقاوي»
أتعرف ما معنى الكلمة؟
مفتاح الجنة في كلمة
دخول النار على كلمه
وقضاء الله هو كلمه
الكلمة لو تعرف حرمه زاد مزخور
...
الكلمة نور ..
وبعض الكلمات قبور
وبعض الكلمات قلاع شامخة يعتصم بها النبل البشري
الكلمة فرقان بين نبي وبغي
بالكلمة تنكشف الغمة
الكلمة نور
ودليل تتبعه الأمة .
عيسى ما كان سوى كلمة
أضاء الدنيا بالكلمات وعلمها للصيادين
فساروا يهدون العالم ..
الكلمة زلزلت الظالم
الكلمة حصن الحرية
إن الكلمة مسؤولية إن الرجل هو كلمة
شرف الله هو الكلمة

الاثنين، 23 سبتمبر 2013

افكر بك.. اتجاهل.. وأمضي!

أفكر بك... اتجاهل.. 
أمضى في طرقات مدينة لا أعرفها...
أضيع طريقي مرة أو مرتين
اختنق مرة أو مرتين
أمضي..
اتأمل وجوه البشر
ابحث عن ملمح منك بين وجوه المشردين
احكى عنك لراحلين على الطريق لا أعرفهم ولا يعرفوني
اغرق في العمل
اكتب مئات الأخبار والقصص
اختلس حروف اسمك من بين الكلمات
احاول أن لا اكتب عنك وأفشل
اجمع شجاعتي لأهاتفك وأفشل
أنهى يومي محطبة لا أمل لي سواك
اتجاهل ذلك الأمل
اعود إلي البيت
اقرأ.. أنظف المنزل
أشغل حالى بأي شيء سواك
ويفشل أي شيء سواك أن يشغلني
احاول النوم
ادعو أن لا تأتيني في أحلامي.
أسقط في نوم عميق
أفيق حين ترمى الشمس أول خيوط النهار
يذكرنى الفجر بك
أفكر فيك
اتجاهل
وأمضي
في كل يوم جديد
افكر فيك
اتجاهل
وأمضي!

الاثنين، 16 سبتمبر 2013

تجليات يوم أجازة مسروق

أجازتي يومين فقط لكن ماذا سيحدث لو بقيت يوم ثالث؟
سأبقى مع البحر لوقت اطول... احصل على مزيد من الراحة والاستراخاء... انتهى من رواية واحة الغروب لبهاء طاهر... وربما وجدت الوقت لمشاركة صديقة دراستى حفلتها اليوم وهى توقع عقد زواجها :-)

لن ينهار العالم إذا لم أذهب للعمل اليوم... ولن تتوقف غرفة الأخبار التى أعمل بها.. ليس لدي أخبار جديدة اقدمها للعالم اليوم.. لكن لدي حديث طويل مع نفسي أود أن أنهيه.

أيام قليلة وأتم عاما كاملا على انتقالي للحياة في القاهرة... مضي سريعا غريبا وموجعا... تعلمت فيه المعنى الحقيقي للفراق: أن تروادك رغبة في رؤية إنسان الآن بأي ثمن لكنك لا تستطيع.
والمعنى الحقيقي للخوف: أن تعيش في منزل لا أب لك فيه.

تجربة صعبة اواصلها دون أن أقدر على التوقف ولو للحظات ﻷقيمها... مرارا اتخذت قرار الرجوع... مرارا صرخت من الالم... لكنى أمضي... إلي أين لا أعرف.
أشعر أن قوة مغناطيسية ما تجذبنى إلي ذلك الطريق الذي لا أعرف متى بدأ ومتى سينتهي وإلي أين سيأخذنى؟!

ربما احنجت عاما أو أكثر للتدوين عن ذلك العام... ربما احتجت عمرا كاملا ومئات الأقراص المسكنة كي انسي او يهدأ ذلك الوجع الذي نما بداخلى هذا العام... لكن الأكيد أني أدين بالفضل ﻷمي ولبعض الأصدقاء الذين جعلوا من الحياة ممكنة رغم الوجع ... وأحيانا آخري لونوا تلك الأﻵم بسعادة حقيقة.
أشعر بامتنان لتلك التجربة المخيفة وبرغبة حقيقة في مواصلة طريقي المجهول الذي تمضي بي فبه.. لا أتوق ابدا إلي نهايته بقدر ما اتوق إلي كشف غموضه وخباياه.

الإسكندرية
16/9/2013

الخميس، 5 سبتمبر 2013

رسالة إلي محمود درويش



«ونحن لم نحلم سوي بحياة كالحياة»

محمود درويش كالعادة يختزل كل أحلامنا وآمالنا في كلماته، ماذا تركت لنا من الكلمات يا درويش؟

أتعرف منذ أن بدأت اكتب للصحافة، وبدأت تأتينى رسائل ثناء أو ذم أو تناقشني في كتاباتي، فكرت حينها أني لم أكتب رسالة لأي كاتب أقرأ له من قبل بداية من مجلات الأطفال التي كنت أقرأها في صغري، مروراً بالصحف التي كنت اقرأها واتنمي العمل فيها وحققت أمنيتي تلك، وصولاً إلي الشعراء وكتاب الأدب الذين طالما عشت بين كلماتهم، وغازلت صورهم خيالي، وصادق أبطالهم روحي، وتأثرت بكلماتهم مشاعري.

بدأت موضوع صحفي اليوم عن تغطية لمظاهرات الإخوان بالأمس، بدأ الموضوع بالمظاهرة وانتهى دون أن أدري برسالة إليك، إليك أنت تحديدياً يا درويشي العظيم...

لن تقرأ رسالتي لأن الأموات لا يقرأون، لكنك لازالت بيننا يا درويش... لازالت كلماتك تصبرنا وتقوينا... بالتأكيد ستصلك الرسالة  وستقرأها.

لن ابدأ رسالتي إليك بعزيزي، فأنا أشعر بزيف كبير في تلك الكلمة، ابدأ رسالتي إليك بشاعري المفضل الذي يكتبني في كلمات...

لا أعرف جدوى أن أكتب رسالة لشاعر راحل، ربما أكتب ﻷنى أشتاق لفعل الكتابة... احتاج ﻷن أكتب ﻷشخاص أحبهم أثروا في حياتي وتعلقت روحي بكلماتهم 
كنت أنت ألشاعر الذي طالما أبكيتني، فكلماتك الموزونة مرة والتائهة مرارا طالما آنستنى في رحلتي الطويلة.
عزفت بأشعارك على كل أوتار الكلمات .

ورددت ذلك البيت مرارا الذي تقول فيه 《هى لا تحبك انت . انت شاعرها المفضل وهذا كل ما في الأمر》
من أين تنبأت بذلك.. أي حمقاء تلك التى ركضت وراء الشعر ونسيت الشاعر... ربما هى مثل ذلك الأحمق الذي ادعي يوما أنه يحبنى يوما. ولم يكن الأمر كذلك كنت فقط كاتبته المفضله... لكن الغريب يا درويشي الحبيب أنني لم أكتب من بعده شيء!

هكذا حالنا حين بجرحنا الحمقي... نتوقف عن الكتابة ونظن آنا نعاقبهم... والحقيقة أننا لا نعافب إلا  أنفسنا!

لن تكون تلك الرسالةالأخيرة بيننا .. لازال لدى الكثير ﻷخبرك به واسألك عنه... وإلي أن أكتب لك من جديد اسمحلي أن أبقي بين كلماتك.

تحياتي ومحبتى.

الأربعاء، 5 يونيو 2013

فى مولد السيدة زينب: طفل يحلم بالبهجة وآخر يصنعها بحثا عن لقمة العيش



سلمى خطاب

ابتهالات دينية يأتى صوتها من كل صوب.. أطفال يتقافزون فرحا.. من يصل إلى مراجيح المولد أولاً، ولم تخف الابتسامة من على وجهه أيضاً ولا الفرحة ببهجة المولد، على الرغم من أنه لا يمسك بيد أمه، ولا يركض ويمرح مع إخوته، بل على العكس هو من ينظم الدور فى اللعب، يحرك الألعاب ويدفعها لتعمل، يأخذ النقود من أيدى الأطفال وأمهاتهم ليضعها فى يد "أم عمرو" صاحبة الألعاب؛ ليحصل منها بعد ذلك على «يومية 5 جنيه».

نجيب محفوظ حين رأى طفلاً يبيع الحلوى فى إشارة مرور؛ بكى ثم كتب "وأحلام الأطفال فى قطعة حلوى، وهذا طفل يبيع حلمه"، فما حال طفل لم يتجاوز عمره الـ12 عاما، يعمل ليلعب رفقاؤه الصغار؟!

"هربت من أبويا فى الفيوم عشان كان بيضربنى" بهذه الكلمات بدأ الطفل أحمد عبد الله خميس الذى ترك منزل عائلته فى الفيوم منذ أشهر هرباً من ضرب أبيه المبرح، وخاصة بعدما صدمت سيارة أخاه الكبير وتوفى، وألقى الحمل على كتفه الصغير ليدبر الأمر فى إطعام أمه وأخواته الصغار.

ملابسه الرثة وقوامه النحيل وقامته القصيرة وانشغاله الدائم بتنظيم اللعب بين الأطفال، لم يمنع جميع من ينتظرون دوره فى اللعب من مداعبته والحديث معه، فيداعب هذا قائلاً "أنت كبير هزقك بـ2 جنيه"، ويطلب من آخر أن يلوح له وهو راحل أمام "أم عمرو" صاحبة المراجيح حتى تقتنع أنه قادر على إمتاع الأطفال فى اللعب وتدعه يعمل معها لفترة أطول، أو تزيد له من يوميته والبقشيش الذى يضعه فى يدها فور أن يحصل عليه لتحتفظ له به، على وعد أن تعيده له حين ينهى عمله.

"اشتغلت فى السياحة أول ما جيت من الفيوم كنت بصور السياح، وأول ما السياحة انضربت بقيت "ألقط" رزقى عشان أعرف أرجع أخلص أمى وأخواتى من أبويا اللى بيضربهم"، وذلك هو حلم أحمد الصغير؛ الذى يعمل طوال ساعات النهار، مقابل 5 جنيهات يومية وبطانية يفرشها على الرصيف لينام عليها ليلا.




 

نُشر على موقع جريدة الشروق بتاريخ 5 يونيو 2013.

السبت، 1 يونيو 2013

«الدرب الأحمر».. حين تكون البيوت أهم من ساكنيها

الدرب الأحمر... تصوير محمود العراقي


سلمى خطاب

ربما كٌتب على أهالي تلك المنطقة أن يعيشوا على هامش الحياة، فبعد أن حملت «الدرب الأحمر» اسم أول حي شعبي شهدته القاهرة الفاطمية؛ سواء الأولى التي شيدها القائئد جوهر الصقلي أو الثانية التي وسعها أمير الجيوش بدر الجمالي.

فالمنطقة التي على مر تاريخها لم يسكنها سوي الصناع والحرفيين والتجار، لم تسلم هي الأخرى من التهميش والإهمال والعشوائية، التي تطول كل شيء شهد على تاريخ هذه البلاد.

ويروي الكاتب حمدي أبو خليل، في كتابه «القاهرة شوارع وحكايات»، أن القاهرة في العهد الفاطمي كانت أشبه بقصر فخم غامض يخفي خلف أسواره الخلفاء الفاطميين عن رعاياهم؛ وكان «الدرب الأحمر» أشبه بضاحية شعبية تعمل ليل نهار على خدمة المتخفي في القصر الجمهوري، فسكن الحي الوزراء والأمراء والخدم والجواري والصناع، وفيه الأسواق ودوره كانت مطبخًا للسياسية الفاطمية.

البيوت التي وصفها أبو خليل، بأنها كانت مطبخًا السياسية الفاطمية، تهدم بعضها الآن وتهالك البعض الآخر وطاله الإهمال والعشوائية، إلا أنها على الرغم من تهالكها، لازالت تحتفظ برونق الماضي الذي تملأ رائحة عبقه المنطقة كلها التي تمتد من نهاية شارع محمد على عند البواكي القديمة مرورًا بنهاية شارع سوق السلاح ثم المججر ومنطقة باب الوزير وعلى امتدادها الدراسة ليضم على أطرافه الجانب الأيمن من شارع الأزهر ثم يستدير عبر شارع بورسعيد ليستكمل «الدرب الأحمر» حدوده في شارع راتب باشا وميدان الحلمية وشارع على إبراهيم قبل أن يصل إلي نقطة نهايته أو بدايته في شارع محمد علي.

"البوابة أثرية عشان السياح كانت بتصورها"، قالها أحد قاطني شارع باب الوزير في الدرب الأحمر، معلقاً على هدم أحد البوابات في الشارع، ليرد عليه آخر سريعًا "لا مش آثار السياح بيصوروا أي حاجة"، ليعود رفعت أحمد سليمان إلى الحديث، الذي قال "إحنا مولدين في المنطقة دي ونعرف طول عمرنا أن البوابة أثرية، وأن البيت دة كان بيت مفتى الديار أيام الملك".

حسم الحديث صوته الغاضب، الذي علا قائلا "آثار ولا مش آثار إحنا محدش بيسأل فينا إلا لو حاجة من الآثار وقعت، وكأن الآثار أهم من البنى آدمين اللي هنا" قالها عم محمد الذي يعمل في إحدى ورش صناعة الأحذية في الدرب الأحمر التي اندلعت النار في إحدي عقاراتها التي تحوي 12 ورشة لصناعة الأحذية، وأسفر الحريق عن تفحم شاب وإصابة آخرين بحروق، ثم واصل عم محمد الغاضب "البيوت اللي بقى لها سنين مترممتش دي لو اتهدت على دماغنا مش هيزعلوا علينا، هيزعلوا عليها عشان هي دي آثار"

بحكمة تطل من عينيه وصوت هاديء، أنهى إسماعيل عبد السلام الذي يعمل في بيع الفول لأهالي «الدرب الأحمر» منذ 50 عامًا، قائلاً: "إحنا لا محافظة بتسأل فينا ولا حكومة مفيش غير الإعلام اللى بيجي يصور لما بوابة ولا بيت أثري يتهد ولا ينهار".

وعلى الرغم من أنه يبيع سلعة يأكلها الناس يوميا ًفي تلك المنطقة الشعبية، إلا أنه أيضًا يشتكي من ضيق الحال، لأن الناس لم يعد لديها "نفس للأكل"، مثلما يقول عم إسماعيل؛ ليصرخ بعدها مضيفًا "كل الناس اللى بتشتغل في المنطقة هنا بتشتغل باليومية؛ وبيوتنا تخربت من بعد الثورة، واتخربت أكتر من بعد ما مرسي مسك، عشان كدة أغلب الأهالي هنا مضوا على الورق بتاع تمرد قبل ما تخرب أكتر على إيد مرسي". 


نُشر على موقع جريدة الشروق بتاريخ 31 مايو 2013 

الأحد، 26 مايو 2013

«اللوليتا».. جيلاتى الغلابة يصنعه الأكثر فقرا


سلمى خطاب

50 قرشا أو أقل هو ثمن حلوى «اللوليتا» المثلجة، التى يقبل عليها الأطفال فى الصيف بشدة، خاصة فى المناطق الفقيرة والعشوائية، ولما لا؟! وهى مرطب طبيعى قليل الثمن فى متناول أيديهم التى لا تملك إلا القليل، مياه مثلجة مضاف إليها ألوان صناعية.

«جيلاتى» الغلابة، يصنعه من هم أكثر فقرا، ففى ظروف عمل موسمية مع أجور متدنية للغاية، وظروف حياة صعبة وبائسة، تصنع العاملات فى أحد مصانع «اللوليتا» بقرية «الصف» محافظة الجيزة، لتدخل البهجة وترطب حر الصيف على قلوب فقراء، ربما يعملون هم أيضا فى أعمال غير مستقرة وبأجور ضعيفة وظروف حياة أشد صعوبة.

أم محمود، التى تعمل بالمصنع منذ 8 سنوات بشكل غير دائم، ذلك المصنع الذى لا يعمل سوى 5 أشهر فى العام، وهى أشهر الصيف فقط، ومع قلة الأجر الذى تجنيه من عملها بالمصنع، 20 جنيها، تفتح بهم البيت وتصرف على أسرة مكونة من 3 أولاد فى مراحل تعليمية مختلفة؛ أكبرهم محمود فى الصف الثالث الثانوى، وزوج "بيشتغل يوم ويقضى 10 فى البيت"، مثلما تقول أم محمود.

«أدى الله وأدى حكمته»، كلمات عبرت بها عن رضها بحكمة الله رغم فقرها وبؤسها، وعلى الرغم من معاناتها فى تربية أولادها والإنفاق عليهم وعلى زوجها الذى "يعمل على باب الله" بتعبيرها، ترتسم ابتسامة رضا تنير وجهها الشاحب والمرهق من ساعات العمل الطويلة فى المصنع، ثم مواصلة أعمالها المنزلية فى البيت.

الفقر والعمل فى ظروف صعبة وغير مستقرة، بدون أى نوع من التأمينات الصحية أو الاجتماعية لا يفرق بين العاملات فى المصنع، وإن كان الفرق فى التعايش مع تلك الظروف أو درجة تلقيها، فعلى العكس من أم محمود الباسمة المتعايشة برضا مع واقعها، تستقبل أم وليد واقع العمل فى ذلك المصنع النائى بدموع مغلوبة على أمرها، فهى المرأة التى عاشت سنوات عمرها الـ61 فى بيتها لم تخرج إلا العمل، إلا بعد أن ازدادت الخلافات بينها وبين زوجها، وهجر أولادها لها؛ ما دفعها للنزول إلى ساحة العمل و"البهدلة" على حد وصفها.

«عشت عمرى كله فى بيتى، مخرجتش منه إلا لما إهانات جوزى زادت واتمدت إيديه عليا بعد ما ربيت له أولاده وكبرتهم" بدموع حبيسة وصوت مخنوق، قالتها أم وليد وهى تصطنع الانشغال بعملها الذى ينحصر فى تعبئة أكياس «اللوليتا» ورصها داخل الصناديق تمهيداً لبيعها، وهو العمل الذى تتقاضى عنه 20 جنيها يومياً مثل رفيقتها أم محمود، لكنها تتدخر من ذلك المبلغ ما يكفى لشراء علاج للضغط والسكر التى أصيبت بهم مؤخرا، ويتكلف 120 جنيها شهريا. 


نُشر على موقع جريدة الشروق بتاريخ 25 مايو 2013 

الجمعة، 24 مايو 2013

لماذا تطاردني ملامحك يا صغيرتي..!

الحياة تستوقفني بين الحين والآخر... تصدمني في ذاتي وفي الأشياء والأشخاص من حولي... تربكني وتخيفيني... 




أنا جبانة

أشعر بالخوف حقيقة أمام لحظات وأشياء وأشخاص معينين...

لا أملك الجرأة الكافية على النظر في عيون هؤلاء الذين يعيشون اليوم وفي عيونهم أمل بغدٍ أفضل أنا أعلم أنه لن يأتي مثلما يتمنون.... حين تنظر لي طفلة صغيرة على أني الخلاص من كل مشاكلها وهمومها... ماذا أفعل أمام نظرة الأمل والتعلق التي ارتسمت في عينيها حين رأتني .... أنا عاجزة جداً يا صغيرتي... صدقيني أنا لا أملك لنفسي أو لأي إنسان في هذا العالم نفعاً أو ضراً... لا أملك أن أقدم له سعادة أو حزن.... راحة أو شقاء...

لماذا تطاردني ملامحك يا صغيرتي في كل وجوه الصغيرات، في صوري القديمة؟ لماذا تظهر ملامحك في مرآتي حين أنظر انعكاس وجهي عليها؟

ماذا أقدم لك... كيف أساعدك؟ دليني يا صغيرتي... أنتِ أقوي مني؟؟ خذيني مني إليك وقولي لي كيف اعيد لشفتيك ابتسامتهما؟!

أنا أضعف مما تتخيلين... لا أملك سوي الابتسامة الفقيرة التي قابلتك بها... والتي لن ترفع من معاناتك شيئاً... ابتسامتي البلهاء لن تعالج الشقوق في يديك الصغيرتين... لن تعفيكٍ من العمل عند ذلك المستبد الذي يقتل طفولتك ببشاعته وانعدام ضميره... أنا لا شيء يا صغيرتي... صدقيني أنا لا شيء...

لا تدعيني آري شعاع الأمل الذي أحببته يخفت في عينيكِ حين أتواري عنك... أنا أضعف من أصمد أمام ذلك الأمل... أمام ذلك الالم...

أنا لا أستحق أن يبرق ذلك الشعاع لقدومي أو يخفت لرحيلي... أنتِ أقوي مني بكثير...

انظري إلي كشيء عادي يمر عليكِ كل يوم... شخص عابر اصطدمتي به في طريقك ومضي...

ستري مثلى الكثير خلال سنوات عمرك التي ادعو الله أن يطيلها ويلونها بألوان الفرح والسعادة... أما أنا فلن أقابل ملامحك الطفولية البريئة سوي مرة واحدة في العمر..!



مى زيادى ورامز صبحى وسلمى خطاب

"إنتوا جايين فعلاً عشان تشوفوا مشاكلنا وتجيبوا حقوقنا"، بهذه الكلمات استقبلتنا فتاة لم تتجاوز الـ12 عاما، عقب خروجها من مصنع لـ«الألمونيوم» بقرية عرب أبو ساعد، مركز الصف محافظة الجيزة، بعد أن أنتهت«ورديتها»، التى تبدأ فى السادسة صباحا وتنتهى فى الرابعة عصراً، حسبما أبلغتنا، رافضة ذكر اسمها خوفاً من «بطش» صاحب المصنع.

شعاع الأمل الخارج من عيناها يسبق حديثها إلينا عن ظروف عملها القاسية، ورغبتها فى تحسين أجرها المتدنى البالغ «450 جنيها» شهرياً، الذى اختفى بمجرد رؤية صاحب المصنع، ليجدها تتحدث إلينا "محررو الشروق"، لينهرها صارخا: "امشى يا بت من هنا وارجعى على بيتك"، فيمتلكها الذعر، ويعلو ملامح وجهها البرىء، وعيناها الصافتين، وتمضى دون أن تنطق بكلمة أخرى.

ملامحه على النقيض، صاحب المصنع، وجهه عابس يبدو عليه ملامح التعالى والقسوة، بدين الجسد طويل القامة، غير مرحب بتواجدنا وحديثنا مع الفتيات، مختتما حديثة المقتضب إلينا بالقول "أغلب البنات اللى عندى بنات صغيرين عشان الشباب مش عايزة تشتغل"، وطالبنا بالانصراف من أمام المصنع وعدم التحدث إلى إى من العاملات.

لم يمنع ذلك رغبتنا فى التعرف على مشاكلهم، وفى أحد الشوارع الجانبية للمصنع، انتظرنا خروج العاملات من المصنع، واستوقفنا مجموعة من العاملات، وبدأت إحدى الفتيات،16 عاما، تتحدث إلينا قائلة: "مش هقدر أقولك اسمى بس بصوا إيدى مشققة ازاى، وانا دلوقتى عندى 16 سنة وبشتغل فى المصنع من 4 سنين وفى الـ4 سنين دول مرتبى مزادش ولا مليم، هما هما الـ450 جنيه، وبنشتغل بمطارق وبندق على الألمونيوم".

وقبل أن تستطرد أكثر فى الحديث وينتقل خيط الحديث إلى زميلتها، فؤجئنا بسيارة صاحب المصنع تطاردنا من جديد وبداخلها أربع أشخاص يقطعون علينا الطريق، ويبدأون فى التعدى علينا بدعوى عدم الالتزام بتعليمات صاحب المصنع!؛ ما أدى إلى تجمهر أهالى القرية حولنا وإنقذنا من إيدهم. 


نُشر على موقع جريدة الشروق بتاريخ 22 مايو 2013 

«على ماضى» أقدم عطارى الإسكندرية.. ومشوار 70 عاما علاج بالأعشاب

عطارة على ماضي- تصوير: أميرة مرتضي 


سلمى خطاب

سريعا ستنفذ إلى أنفك رائحة الأعشاب والتوابل المختلفة وأنت تتجول فى الأزقة الضيقة لحارة العطارين بالإسكندرية، التى تضم عددا كبيرا من الدكاكين القديمة المليئة بالأعشاب البرية والزيوت العطرية والتوابل والبهارات، ومن بين تلك الدكاكين القديمة دكان، على ماضى، الذى ستقع عينك عليه، ويعود تاريخه إلى عام 1906، حين قرر الحاج «على ماضي» أن يفتح دكانا للعطارة، ليصحب بعد 107 أعوام أقدم وأشهر دكان للعطارة فى الإسكندرية.

على كرسى جلدى قديم يجلس الحاج عبد السلام على ماضى، والذى ورث العطارة عن والده، ويعمل بها منذ عام 1942، منذ أن كان عمره 11 عاما، يساعده والده وأخيه الأكبر ويتعلم منهم، يمر عليه الناس الآن يلقون التحية ويسألونه عن أوجاعهم، فيطيبها بخلطات الأعشاب والزيوت، بخبرته التى اكتسبها على مدار 70 عاما يعمل فى العطارة، ويقول "قديماً كان العطار هو صيدلى المنطقة يصف الأدوية ويعالج المرضى، ولا يزال إلى الآن الناس يأتون طلباً للعلاج بالعطارة والأعشاب الطبيعية، فالطب مازال عاجزاً عن علاج الكثير من الأمراض، وتستطيع الأعشاب مداواتها". 


عبد السلام ماضي- تصوير: أميرة مرتضي


«ماضى» الذى يستغرب التغيير الذى طرأ على زبائنه على مر العصور والحقب التاريخية المختلفة التى عاشها، بدءاً من تغيرت ظروفهم الاجتماعية والاقتصادية، إلى تغير أسعار العطارة، ويحكى ماضى عن الزمن القديم، فيقول "زمان التوابل العادية اللى الوحد كان يحتاجها لبيته للطبخ كنت تشترى اللى تحتاجه لسنة كاملة بجنيه واحد بس، أما الآن فارتفعت الأسعار لدرجة أن الـ20 جنيها لا تكفى لشراء التوابل لشهر واحد"، ويرجع ذلك السبب إلى ارتفاع أسعار الأعشاب والتوابل المستوردة من منبعها.

وبالرغم من حزنه لأن أغلب التوابل صارت تستورد من الخارج الآن، إلا أنه يوضح أن مصر لازالت تصدر العديد من التوابل مثل الكمون والكسبرة وحبة البركة، كما أن بعض الأعشاب العلاجية تأتى مخصوصاً من الصحراء مثل الشيح والسلامكة التى تستخدم كمسكن وعلاج دورى للعديد من الأوجاع.

"طول ما فى أمراض وفى عدم استجابة من الدكاترة الأعشاب شغالة" بهذه الكلمات ختم ماضى حديثه لـ"الشروق" لحظة دخول إحدى السيدات المسنات عليه تطلب منه أن يحضر لها وصفة تتكون من بعض الأعشاب وحبة البركة لعلاج ابنتها التى تعانى من آلام فى الكبد.


نُشر على موقع جريدة الشروق بتاريخ 22 مايوم 2013

الجمعة، 10 مايو 2013

حين انتقلت إليها


هؤلاء الذين يتحايلون على الأمل... أشد الناس يأساً   

 



سخرت كل حواسك للكذب على... إلا عينيك كانت تؤكد لي أن أمر ما على غير ما يرام... رسالة التقطها قلبي بسهولة وصدقها سريعاً... كنت تخفي عني أن فراق ما قد بدأ في مهاجمتك... وأنك على وشك الهزيمة... وذلك الفراق الملعون ينتصر عليه.

أن عيوناً غير عيوني سهرتك ليلتك... وأن روحاً غير روحي تحلق في سماؤك... وأنا قلباً غير قلبي يطرق بابك... وأنك دون أن تدري سمحت له بالدخول... لكن لحظة دخوله حولتك بداخلى إلي ذكري...

ذكراك تطاردني بشدة... تقلقني... تسرق من عيني النوم... تطاردني وتشتت تركيزي... تراودني فكرة مجنونة بأن امسك الهاتف وأحادثك... احاول أن امنعها... اطردها من رأسي... لكنهم إلي الآن لم يكتشفوا طريقة لمنع الأفكار من السيطرة على العقول... أو طرد صورة إنسان من ذاكرتك... ما يرغب فيه العقل وما يعلق بالذاكرة لا إرادة لنا فيه.

أمضي بثبات نحو مستقبل غامض... لا آري فيه سوي الضباب... وعيناك باسمتان بعيدتان على مرمي البصر من هذا الضباب .... في خيالي وتمد يدك الدافئة لتمسح الدموع التي تسببت فيها منذ قليل... وكأنك أنت المرض والدواء... وفي واقعي أنت أبعد من الخيال.

وكلما اشتقت إليك ابحث عنك في عينيها تركت ظلاً ما فيهما... تحاول هي إخفاؤه ولا تستطيع مهما حاولت... ربما هي لا تعرفك جيداً بعد... ولا تعرف كم عصي على العيون أن تخفي لمعان إعجابها بك.... وربما هى لا تحاول ربما تتباهي بذلك الظل الذي انتقل بين يومٍ وليلة مني إليها... مثلما تتباهي بقلبك الذي حملته بجزء من روحي ووضعته بين يديها.

الفظ أنفاسي الأخيرة.. وأنت تملاً رئتيك بأنفاسها... أحبك كثيراً... وأنت صرت تحبها... الآن أقبل عينك بقلبي وأمضي... وأتركك آمناً بين أحضانها.


الخميس، 9 مايو 2013

الإسكندرية مدينة تتحول من العالمية إلي العشوائية


لم يتوقف الإهمال في مدينة الإسكندرية على مشاهد القمامة التي تكتظ بها الشوارع وباتت منظرها مألوفاً في أرقي وأشهر أحياء المدينة، ولا على الآلاف الأبنية المخالفة التي تنذر بكارثة حقيقة ولا تحرك حقيقي تجاه وقفها، بل امتد الأمر ليشمل عمليات هدم عشوائية أو تخريب متعمد للعديد من مباني المدينة التراثية.

لم يكد السكندريون يفيقون من صدمة قرار رئيس الوزراء الدكتور كمال الجنزوري رقم 86 لسنة 2012، و الصادر في 21/1/2012 بمحو فيلا شيكوريل من قائمة المباني التراثية بالمدينة والتي يرجع تاريخ بناؤها إلي العشرينات من القرن الماضي، حتى فوجئوا الجميع بإخلاء مبني النادي اليوناني تمهيداً لهدمه والذي يقع في شارع متفرع من شارع اللاجتيه بمنطقة الإبراهيمية، ويعود تاريخ بناؤه إلي عام 1906 وكان مقره شارع الأمير إبراهيم يحيي ولكن هذا المقر تهدم إبان الحرب العالمية الثالثة وانتقل النادي النادي إلي مقره الحالي الذي سيهدم خلال أيام.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل وجه الدكتور كمال الجنزوري رئيس الوزراء ضربة جديدة إلي التراث السكندري حيث أصدر القرار رقم 351 لعام 2012 آخر بمحو فيلا النقيب التي تقع في 239 شارع جمال عبد الناصر من قائمة التراث.

وفيلا النقيب تقتنها عائلة الدكتور النقيب باشا (مدير مستشفى المواساه والطبيب الخاص بالملك فاروق) وكانت تقيم فيه الملكة ناريمان بعد زواجها من الدكتور ادهم النقيب.

مش هنسيب إسكندرية تتهد:

تحت هذا الشعار انطلق مئات من النشطاء وأستاذة وطلاب العمارة والفنون الجميلة والهندسة في حملة تهدف إلي حماية تراث الإسكندرية، حيث نظموا العديد من الوقفات أمام النادي اليوناني وأمام فيلا شيكوريل، أوضحوا في بيان لهم خطة عملهم لوقف ما أسموه بعمليات "الذبح للثرات السكندري" حيث ذكر البيان أن الحملة بصدد البدء في حملة للرسم بالجرافيتي والملصقات لتنبيه أهالي المدينة بخطر الطمس المعرضة له، ولكسب التأييد الشعبي المناسب للقضية، وأيضاً العمل على إيجاد الحلول المناسبة لملاك هذه الأراضي والمباني التراثية للحفاظ عليها وعدم تعريضها للابتزاز من قبل المقاولين ومافيا هدم المباني التراثية وتحويلها لملكية عامة تستغل لخدمة المواطنين.

من جانبه طالب المهندس شريف فرج مدرس العمارة بكلية الفنون الجميلة بتحويل تلك المباني إلي مراكز ثقافية أو مكتبات عامة، كما اقترح أيضا تحويلها إلي فنادق صغيرة مثلما يحدث في الدول الأوربية أو تأجيرها إلي البنوك والمؤسسات التي تقدم خدمات عامة، مؤكداً على أن أفضل طريقة للحفاظ على هذه المباني هي تشغليها، أما تركها خالية وتعرضها للعوامل الجوية دون الاهتمام بها وإجراء عمليات الصيانة اللازمة يعرضها للتخريب والهدم.

يذكر أن قوائم المباني التراثية في الإسكندرية تحتوى على ما يزيد عن خمسة الآلاف منشأة ما بين مباني ذات طابع معماري مميز مثل فيلا شيكوريل، ومباني مرتبطة بالتاريخ القومي، ومباني مرتبطة بشخصية قومية مثب منزل سيد درويش بمنطقة كوم الدكة، ومباني آخري تمثل حقب تاريخية مثل مبنى المحافظة الذي اخترق وتهدم بعد خلال أحداث ثورة 25يناير، وأيضاً هناك مباني تمثل مزارات سياحية.


نُشر في جريدة الأهالي أغسطس 2012

الأحد، 5 مايو 2013

شتات كلمات



أعشق الكتابة لكني لم أعد قادرة عليها... لم يعد لي خيال ولا طاقة بها...

 



ما بين الرحيل والرحيل كلمة... (سأفتقدك) ... وما بين اللقاء واللقاء كلمة (اشتقت إليك) ... فما بال الكلمات تعجز حين القاء وحين ارحل عنك... فقط تلك الكلمة التي تستعصي كثيراً على لساني... وتستعصي أكثر على قلمي... كلها مجرد كلمات...والكلام ينقص كلما زاد... ويعجز عن الوصف كلما استخدمته للتوصيف.

ذلك القلم الذي يعذبني كثيراً... سيصيبني بالجنون يوماً... ألا يكفيه أن جعلني أنعزل عن ذلك العالم... وأن أبدو شريدة وتائهة طوال الوقت..

مازلت تائهة عن ذلك المكان الذي سألتقي فيه بأبطال روايتي التي لم تُكتب بعد... ربما نلتقي داخل صخرة على شاطيء البحر... وربما نلتقي في الصحراء الواسعة التي لم تخطها قدمي... أو لعلهم ينتظروني هناك في ركن من أركان غرفتي في منزل عائلتي القديم الذي رحلت عنه وتركت فيه الكثير من خيالاتي وأحلامي...
 

لا أعرف أين ومتي سيكون اللقاء... لكني قلبي يحدثني أنه سيكون قريب... أن هؤلاء الأبطال ينتظروني هناك... فى نهاية ذلك الطريق الذي تركت الجميع لأجله... وراهنت على رحلتي فيه بكل ما أملك.
 

راهنت على مجهول لا يربطني به سوي إيمان خفي يهمس في قلبي بين الحين والآخر أن بقاياي المبعثرة ستتجمع هناك في نهاية ذلك الطريق الذي لا أعرف متي بدأته ومتي سأنهيه وإلي أين سيأخذني...

أمضي فيه معمضة العينين مستلمة للرحلة بكل مباهجها وآلامها... أو ما أظنه أشياء مبهجة أو أشياء مؤلمة... فحين تشعر أنك اُقتلعت من جذورك تختل عندك الموازين ... تختلف الأشياء ويتغير حكمك عليها...

تنظر نهاية الرحلة بوضوح ويرسم لك خيالك نهاية سعيدة مفرحة... لكن عيناك تعمي عن رؤية الأرض التي ستخطي عليها خطوتك القادمة... فتتعثر وتتعثر كلماتك... يقف التعبير على شفتيك... ويتنحى القلم عاجزاً... ويبقي لك خيالك المشتت يرسم لك الأحلام والأوهام... ويقف عجزك حائلاً بينك وبين أن تعيش أحلامك في كتابتك أو في واقعك...

الثلاثاء، 23 أبريل 2013

كنيسة قصر الدوبارة... «بيت المصابين» في كل اشتباكات


 سلمى خطاب
في يناير 1940، أسس مجمع الدلتا الإنجيلي كنيسة جديدة في القاهرة على أن تجتمع هذه الكنيسة في القاعة المملوكة لدار تحرير إرسالية النيل في وسط القاهرة، وتزايد الحضور في هذه الكنيسة الوليدة للدرجة التي أصبحت الحاجة لمبنى كبير حاجة ملحة، وفي ديسمبر 1941 تم شراء قصر في ميدان التحرير بهدف هدمه وبناء الكنيسة الجديدة مكانه.

وفي 11 مارس سنة 1944 وقع الملك فاروق على التصريح الخاص ببناء الكنيسة، ووضع حجر الأساس في ديسمبر 1947 لكنيسة قصر الدوبارة الإنجيلية واكتمل البناء سنة 1950.

واستمرت الكنيسة الإنجيلية على مدار سنوات في تأدية دورها الكنسي، إلي أن قامت ثورة 25 يناير، وما تبعها من أحداث دعت الكنيسة التي تقع في ميدان التحرير إلي فتح مستشفي ميداني يستقبل المصابين فى الاشتباكات، بدءاً من أحداث محمد محمود الأولي وإلي الآن.

تقول إيفا بطرس المسئول عن المستشفي الميداني لكنيسة قصر الدوبارة أن المستشفي بدأت عملها مع أحداث محمد محمود الأولي، ولا تعمل إلا في أوقات الاشتباكات فقط، وأشارت إلي أن المستشفي تملك فريق خاص من الأطباء والصيادلة الذين يتم استدعائهم حين تحتاجهم المستشفي، كما أن المستشفي تعمل على توفير كل الأدوية والمستلزمات الطبية التي يحتاجها، ولا نطلب من المصابين أن يحضروا أي أدوية أو مستلزمات طبية،كما أن الكنيسة لا تقبل أي تبرعات من أي نوع فيما يخص المسشتفي الميداني، ولفتت إلي أن هذا النظام تم وضعه بعد حادثة السيدة التي أعطت الشباب في الميدان طعام مسمسم، وأصيب العشرات حينها، بالتسمم، ومنذ ذلك الوقت ونحن لا نقبل بأي أدوية أو محاليل أو طعام أو خيوط أو أدوات جراحة تأتي إلينا، وحدث كثيراً أن أجد أشخاص يأتون إلي المستشفي ويعرضون تقديم تبرعات ومساعدات لكن تلك الأشياء لا تقبل لأننا لا نثق في مصدرها.

وأوضحت أن في حال نقص دواء معين تكون المستشفي في حاجة إليه يتم التواصل مباشرة مع أطباء وصيادلة موثوقين، يقومون بتوفير الأدوية والأدوات الشحيحة في الحال، ومن المستحيل أن تقبل مستشفي قصر الدوبارة تلك المساعدات التي تأتي من مجهولي الهوية.
وتروى نادية محمد (طالبة في كلية الإعلام) قصتها مع المستشفي الميداني لكنيسة قصر الدوبارة، حيث تقول: بدأت معرفتى بقصر الدوبارة في أحداث محمد محمود الأولي حين فتحت المستشفى أبوابها، وقبلت الحالات التي لم تستطع المستشفيات الميدانية علاجها، منهم حالات مصابة بإصابات خطيرة بالخرطوش، وحالات لأشخاص كانوا فاقدين الوعي بكل كامل، لم ترفض قصر الدوبارة أي حالة، والمكان مجهز بشكل كبير لاستقبال المصابين.
إضافة إلي أن المستشفي لا تطلب مننا أن نأتي بالأدوية والمستلزمات الطبية مثلما تفعل المستشفيات الأخرى.
وتضيف دينا ولعان (الباحثة القانونية) والناشطة في كنيسة قصر الدوبارة، أن المسشتفي الميداني فى الكنيسة كان دائم التعاون مع المستشفي الميداني في مسجد عمر مكرم، فكنا نلجأ لهم حين يحدث نقص في الأطباء أو الأدوية، كما أن فريق العمل داخل المستشفي يعمل بنظام دقيق للغاية لتقديم الإسعافات الأولية للمصابين أو نقلهم إلي مستشفيات مجهزة بإمكانيات أعلي في حين كانت الإصابة خطيرة.
وتتذكر نانسي فارس (21 عام) وقت أحداث محمد محمود الأولي قصتها مع مستشفي الميداني لكنيسة قصر الدوبارة، حيث تقول "كان لنا أصدقاء يصابون كنا ننقلهم على الفور إلي المستشفى، لم يكن الملفت فى حينها أن الكنيسة كانت تقبل أي مصاب لتعالجه دون أن تسأل عن هويته، لكن كان الشيء الجديد هو تدخل الكنيسة فى السياسية وهو أمر غريب على الكنيسة المصرية، حتى في أيام الجمع التي كان بها مليونيات من المعروف أن الكنيسة يكون بها اجتماع صباح كل يوم جمعة، فكان نصف المتطوعين يحضرون الاجتماع، والنصف الآخر يتظاهر في الميدان، وفي حال وقعت اشتباكات تفتح المستشفي الميداني ابوبها لكل المصابين".

نُشر على موقع جريدة الشروق بتاريخ 23 إبريل 2013 

الأحد، 14 أبريل 2013

الحشمة قبل الحجاب دائما! (مقال لحسام تمام)


الحجاب ليس المؤشر الحقيقي على تدين المجتمعات




يؤمن كاتب هذه السطور بأن اللباس الشرعي للمرأة هو الذي يستر الجسم عدا الوجه والكفين، وتتحقق فيه شروط ثلاثة: ألا يصف ولا يشف ولا يكون زينة في ذاته يلفت إليها الأنظار، وأن هذه المواصفات ملزمة دينيا وينبغي على المرأة الاستجابة له أيا كان مسمى هذا اللباس وهيئته؛ ومن ثم فليس من همّ هذه المقالة الاشتباك قبولا أو رفضا مع "الحجاب" الذي صار عنوانا لهذا اللباس، كما لن تتطرق إلي الجدل النظري حول فرضيته، بل هي تسعى بالأساس إلى الاقتراب من روحه وفلسفته والتعرف على ما طرأ عليه من تحولات خرجت به عما شرع من أجله، ومن ثم تطرح -أخيرا- مقاربة مفادها أن الحشمة قبل "الحجاب" ومقدمة إليه.

أزياء الأخوات


يلاحظ المتابع لتاريخ الدعوة الإسلامية الحديثة أنها لم تكن تجعل من الدعوة إلى الحجاب قضية محورية؛ وأنها تكاد تكون غائبة أو متأخرة في أجندة الحركة الإسلامية في العقود الأربعة الأولى لنشأتها منذ أسس الإمام حسن البنا جماعة الإخوان المسلمين في مصر عام 1928. 
ومن يراجع التاريخ الاجتماعي لحقبة الأربعينيات التي تمثل أوج حركة الإخوان المسلمين أو يراجع أرشيف الصور الفوتوغرافية لهذه الفترة سيفاجأ بأن ملابس "الأخوات المسلمات" والناشطات في العمل مع الإخوان لم يكن يجاوز في أفضل الأحوال "الإيشارب" الذي يغطي الرأس و"الجونلة" الطويلة. ولم تكن ملابس بنات ونساء الإخوان المسلمين -فضلا عن علماء الأزهر ودعاته- تختلف كثيرا عن ملابس المجتمع المصري المحافظ، بل كانت هناك بعض الأسر التقليدية في صعيد مصر وبعض المدن أكثر تشددا في أزياء النساء حتى كانت المرأة فيها ترتدي زيا تقليديا يسترها بالكامل عند خروجها من المنزل، وكان خروج المرأة وقتها نادرا.
لم تكن الدعوة الإسلامية تتكلم وقتها عن شكل أو نمط محدد للباس المرأة إلا ما كانت ترفضه من ملابس نساء النخبة والطبقات المترفة المستغربة التي كانت تقلد المستعمر وتتماهى معه؛ فكانت مكشوفة وفاضحة تخالف الشرع لما فيها من إظهار لما حرمه الله من فتنة المرأة ولما فيه من خروج على قيم الستر والاحتشام المستقرة عند المجتمع. ودون ذلك لم يكن هناك استقطاب حول الزي ولباس المرأة.. فغالبية المجتمع كانت نساؤه محتشمات يقترب لباسهن من مواصفات الحجاب الشرعي إذا ما أردنا توصيف الحشمة والستر في قائمة مواصفات مفصلة (وإن كان يصح في رأيي النظر إلى لباس المجتمع التقليدي باعتباره عين اللباس الشرعي!).


الابتذال الممنهج

يؤرخ بنهاية الستينيات وعقد السبعينيات من القرن الماضي (العشرين) كبداية لانتشار ما صار يعرف بـ"الحجاب" وارتفاع الدعوة إليه على مدى واسع في بلد كمصر. في هذه الفترة كانت البلاد تعيش موجة واسعة للعري والابتذال، الممنهج أحيانا عبر التيارات اليسارية العلمانية، وهو ما ظهر جليا في الأعمال الفنية التي كانت تمثل خرقا وتعديا على ثقافة الستر والاحتشام التي تربى عليها المجتمع، وفي الفترة نفسها بدأت بواكير الصحوة الإسلامية التي تغذت من رافدين أساسيين: الرافد القطبي ذي الروح الانعزالية؛ المفارق للمجتمع والداعي لإعادة أسلمته من جديد (بعكس مشروع حسن البنا الداعي لاستكمال أسلمة المجتمع) والرافد الوهابي الحجازي الذي يقوم على سلفية شكلية تتعامل بتشدد في مسائل اللباس وتستحضر نموذجا محددا لما تعتبره لباسا شرعيا.. في هذه الفترة بدأ يظهر ما عرف بـ "الحجاب"، وارتفعت الدعوة إليه لباسا شرعيا بل واللباس الشرعي الوحيد للمرأة المسلمة.
لقد جرى تحول بالغ الأهمية مع الصحوة الإسلامية في عقد السبعينيات انتقلت معه الحركة الإسلامية في قضية لباس المرأة من خطاب يرفض العري والابتذال الذي يخرج عن قيم الستر والاحتشام التي عرفها المجتمع "المسلم" إلى خطاب آخر مختلف يسعى إلى تحديد الحجاب كلباس "شرعي" وحيد للمرأة يفترض أن تتجسد فيه كل القيم العليا التي يدعو الإسلام المرأة إلى الالتزام بها، وهو تحول جاء ضمن سعي "أيدلوجي" أوسع لبناء مجتمع بديل على أساس من الإسلام.
لقد نشطت الحركة الإسلامية بأطيافها المختلفة في الدعوة إلى الحجاب في صورة معينة ومحددة، خلافا لما كان عليه النظر الفقهي والشرعي المستقر في أن أي لباس للمرأة مباح (أي: شرعي) طالما كان ساترا للجسد فلا يصفه أو يحدده، ولا يشف عما تحته، ولا يكون زينة في ذاته؛ أي لا يكون لافتا يمثل خروجا على الزي السائد والمقبول من المجتمع المسلم.

الحجاب "الاسكندراني"

حاولت أن أتتبع تاريخيا الزمان الذي ظهر فيه الحجاب بصورته المتداولة بين الإسلاميين فرجحت أغلب الروايات أنه بدأ في منتصف السبعينيات بجامعة الإسكندرية التي كانت السلفية هي المهيمنة على الجماعة الإسلامية فيها، وربما كان هذا سبب شيوع صفة الحجاب "الإسكندراني" على هذا النوع من الحجاب الذي تم تعميمه فيما بعد -عبر الجماعة الإسلامية- على بقية الجامعات المصرية ومنها خرج إلى المجتمع المصري واستقر عنوانا وحيدا لللباس الشرعي.
لم تعد المتبرجات السافرات الخارجات على الحشمة المتبرجات هن وحدهن المستهدفات بالخطاب الإسلامي الجديد في قضية اللباس؛ بل صارت كل فتيات ونساء المجتمع -ومنها المحتشمة التقليدية أو المحافظة- مستهدفة أيضا بهذا الخطاب الحاسم والقاطع في أنه لا لباس "شرعي" يجوز لهن إلا الحجاب بالمواصفات التي صاغتها الحركة الإسلامية من تصورها لما كان عليه لباس المؤمنات في زمان السلف الصالح: الحجاب الواسع الطويل المنمط ذو اللون الواحد الذي كان غريبا عن لباس المجتمع.
لم يعد المطلوب من الفتاة أو المرأة أن تلتزم القصد في الملبس أو الاحتشام، وهو ما يمكن أن تجده في لباس أمها وجدتها المنتشر في الريف أو الصعيد أو العائلات التقليدية والمحافظة، بل صار عليها الدخول في لباس جديد لم يتأثر في شكله وطبيعته بأي من مؤثرات التاريخ والجغرافيا ولا تظهر فيه أي تعددية ثقافية أو اجتماعية.. إنه لباس وليد رؤية سلفية لا تاريخية مخاصمة للثقافة والتراث ومستعصية على فعل التاريخ.. تحيل إلى نموذج متخيل لا تاريخي في اللباس.. نموذج جرى تعميمه باعتباره اللباس "الشرعي" الوحيد؛ فصار يباع في الجامعات والمدارس والمساجد بأسعار رمزية لتيسير نشره، وكثيرا ما يتحول إلى هدية توسلية يتوجه بها إلى الفتاة المستهدفة بالدعوة!.
طوال عقد السبعينيات جرى ما أسميه بـ "أيقنة" الحجاب كشكل محدد للباس الشرعي للمرأة؛ أي تحويل الحجاب إلى أيقونة ترمز لمجموعة من القيم والأخلاق وتكاد تجسدها حصريا فضلا عن اختصاره لكل قضايا المرأة المسلمة التي تبدأ ولا تنتهي إلا به، لقد جرى الربط الشرطي والآلي بين ارتداء الحجاب وبين الأخلاق، بحيث صار الحجاب علامة وحيدة وحصرية على الأخلاق التي يفترض أنها تغيب بغيابه وتحضر بحضوره.. فصكت شعارات مثل: حجابك أخلاقك، حجابك عفتك، الحجاب فريضة كالصلاة، الحجاب قبل الحساب، الحجاب عفة طهارة نقاء، الحجاب عنوان حيائك.. وكان الربط الآلي والشرطي بين شكل معين للباس وبين معاني الحياء والعفة والطهارة والنقاء جزءًا من سمة الاختزال والتسطيح التي غلبت على الخطاب الإسلامي الحركي ذي النفس الأيدلوجي الذي ساد حقبة السبعينيات والثمانينيات.
لقد صار الحجاب اللباس الطبيعي والحصري الذي يميز الأنثى المسلمة، وتم تعبئته بحمولة شرعية وأخلاقية كبيرة حرم معها أي لباس آخر غير الحجاب، حتى ولو توفرت فيه الشروط التي استقر عليها النظر الفقهي التقليدي، كما نظر إلى الحجاب منفصلا عن الحشمة التي هي تحييد الأنثى لجسدها وأنوثتها في التعاملات والعلاقات التي يفترض أن تدور خارج ثنائية الذكر والأنثى مثل العمل والدراسة وخلافه.. ومن مفهوم أن يكون الحجاب هو أكثر ما يتحقق فيه هذا الحياد، لكن الواقع يقول إن هذا الحياد كثيرا ما تحقق في لباس آخر غير الحجاب كما نراه في لباس المرأة التقليدية أو المحافظة التي مازالت تتمسك بالاحتشام في الملبس والبعد عن الإثارة دون ارتباط بنظر فقهي معين.
وعلى الرغم من أن هذا التحييد/ الاحتشام من المفترض أن تتوفر شروطه في المحجبات، فإن الواقع أن جزءًا ليس هينا من المحجبات (كما سنرى) يتصرفن كإناث يرغبن في إبقاء جمالهن ضمن المعادلة، بل أكثر من ذلك يرغبن في أن تتحكم الأنثوية في علاقات لا ينبغي أن تحضر فيها الأنوثة.



أيقنة الحجاب
إن الذي جرى من جعل "الحجاب" أيقونة تجسد كل معاني الأخلاق والالتزام الديني كان سببا في غياب الفهم الصحيح للحجاب ومسيرته التي سرعان ما أصيبت بانتكاسة في السنوات الأخيرة سواء في معدلات انتشاره أو حتى في حمولته الدينية.
لقد حالت "أيقنة الحجاب" دون فهم حقيقة أن الحجاب لم يكن يصلح يوما كمؤشر حقيقي ووحيد على قياس مدى تدين المجتمعات التي ينتشر فيها. فكثيرا ما كانت له دلالات لا صلة مباشرة لها بالتدين بقدر ما لها صلة بتحولات اجتماعية وسياسية جذرية تعيشها هذه المجتمعات دون أن يلغي ذلك حقيقة وجود دوافع دينية وراءه.
فكثيرا ما كان الحجاب عنوانا على نزعة استقلال للفتاة أو المرأة التي دخلت عالم الحداثة لكن عبر بوابة التدين.. وهو ما جرى في مصر مثلا؛ حيث كثيرا ما كان الحجاب في حقيقته دليلا على استقلالية المرأة ورغبتها في التحرر من التقاليد؛ ومنها تقاليد اللباس سواء أكان سافرا خارج على الحشمة أو تقليديا محافظا.
إن كثيرا ممن ارتدين الحجاب لم يكن دافعهن رفض السفور والتبرج فقط وهو ما يمكن أن يتحقق في اللباس التقليدي المحتشم مثلا، بل كان دافعهن الاستقلال والتحقق الذاتي أيضا.. فقد أضحت الفتاة المحجبة تتمتع في المجتمع بميزات لا تتمتع بها قرينتها المحافظة المحتشمة، مثل الدخول في النشاط الديني أو الحركي بما فيه معارضة السلطة، بل كثيرا ما نالت بسببه امتيازات لم تكن لقرينتها المحافظة التقليدية، مثل الخصوصية أو السماح بالتأخر عن البيت لضرورة العمل الدعوي أو الحركي.. لقد حصلت كثيرات من الفتيات عبر الحجاب على الثقة والاستقلالية والقدرة في مواجهة المجتمع بما أسس لهن من حقوق لم تحصل عليها الفتاة المحافظة الأكثر انصياعا لقيم المجتمع وتقاليده.
وفي حالات أخرى كان الحجاب أقرب إلى تحصن بهوية مفترضة (أو اصطناع لها أحيانا) احتجاجا على التهميش والظلم الاجتماعي الذي تتعرض المرأة، كما يمكن فهم لجوء كثير من المسلمات في الغرب إلى الحجاب إعلانا لتحدي التهميش والظلم الذي تقوم به المجتمعات الغربية للمسلمين؛ فتعاملهم كمواطنين من الدرجة الثانية وربما الأخيرة.. ومرات أخرى كان الحجاب إعلانا على الانضواء في مشروع أيدلوجي ديني جذري، مثلما يمكننا فهمه في تظاهرات الحجاب أثناء الثورة الإيرانية.. وأخيرا فقد يكون دلالة على الانصياع لضغوط الفضاء الاجتماعي الذي صار فيه الحجاب عنوانا على التدين كما سنعرض لاحقا.


التدين والحجاب

إن أيقنة الحجاب كانت مسئولة أيضا وإلى حد كبير عن التحولات المأساوية التي أصابت الحجاب.. فقد أدى الربط الشرطي والآلي بين التدين والحجاب إلى أن يصير الحجاب وحده هو عنوان التزام الفتاة وتدينها. لقد صار الشكل (الحجاب) مقدما على المضمون (الستر والاحتشام) في تقييم تدين الفتاة وأخلاقها.. حيث تم تكثيف كل معاني الأخلاق والالتزام الديني (عفة، طهارة، نقاء) في الشكل/ الحجاب.. ثم جردت كل من تفتقد هذا الشكل من كل هذه المعاني الإيمانية والخلقية.
انتشر الحجاب فيما مضي بوازع ديني (موجة تدين عام) قوّاه ما جرى من هذا الربط الشرطي والآلي، لكنه صار فيما بعد ضاغطا متحكما بل ومتسلطا في الفضاء الاجتماعي، بحيث أصبح عبئا شكليا لا حيلة أمامه إلا التحايل عليه والالتفاف أو التلاعب به، فصرنا أمام حالة أقرب إلى حالات النفاق، لقد تحول "الحجاب" من قناعة دينية إلى سلطة اجتماعية؛ فكان أن ابتلعه المجتمع وأعاد إنتاجه في صورة قد لا تكون له أدنى صلة بأصله.
لقد أدت الرمزية التي اكتسبها شكل الحجاب إلى أن يصير متحكما في الفضاء الاجتماعي؛ فدخلت تحته مضطرة -لاكتساب شرعية الاعتراف بالتدين والأخلاق- قطاعات واسعة من الفتيات والنساء التزمن بارتدائه شكليا دون أي التزام بمضمونه ومبتغاه.. وهو ما انتهى تدريجيا إلى أن يتحول جهد هؤلاء الفتية والنسوة إلى التلاعب الحجاب والاشتغال على تفريغه من مضمونه، فظهرت أنواع من الحجاب لا صلة بينها وبين الحجاب "الشرعي"، بل ولا تتصل بأي سبب بمعاني الستر والاحتشام.
بعكس الحشمة التي تركز على مخاطبة الضمير وتسعى لضبط سلوك الأنثى ذاتيا؛ صار الحجاب يركز على الانصياع الشكلي ويسعى إلى إرضاء الفضاء الاجتماعي الذي ترسخ فيه الربط الميكانيكي بين الحجاب وكل معاني التدين والتخلق، فصار على الفتاة أو المرأة أن تعتمد الصيغة الشكلانية المقبولة أو المفروضة اجتماعيا (في بعض الأحيان) دون تعمق في روحها أو تحقق لمقصدها، بل وقد تبالغ أحيانا فترتدي أشكالا بالغة التشدد من الحجاب (النقاب أو الحجاب المقارب للنقاب).. ثم تبدأ -بعد أن تكتسب شرعية الحجاب المجتمعية الذي يعطيها أحقية التحلل من مفهوم الحشمة- في اللعب بالأنوثة والجسد الذي ينطق بل ويصرخ من وراء الحجاب ورغما عنه، وساعتها يصبح على المجتمع أن يخوض معركة يجرب فيها من دون جدوى كل الوسائل لضبط هذه الأنوثة التي قررت أن تتحداه وتعلن عن نفسها من وراء الحجاب/ الشكل الذي ألزمها به!.

حجاب التباهي

ولأنه صار أيقونة كان لا بد أن يتحول إلى سلعة في سوق العرض والطلب الذي سيتضمن ألوانا من الحجاب لا تتحقق فيها أي معاني الستر والاحتشام، ولا علاقة لها بالحجاب الذي بدأ وظل شرعيا حينا من الدهر.. سيدخل الحجاب ضمن بيوت الأزياء التي تحوله إلى "موضة" تتجدد بلا توقف، وتجعل منه موضوعا للإثارة والجاذبية والمتعة التي لا تنضب، وسيعرف طريقه إلى الطبقات المترفة التي ستدخل به في صراع الاستهلاكية فيصبح موضوعا للترف والتباهي بعدما كان -في معظمه- لباسا للفقراء والزهاد والمقتصدين في السلوك والأخلاق.. سيعرف عالم الحجاب النقاب الخليجي الذي يلهب -بالعيون المكتحلة والرموش المصطنعة- خيالات المراهقين فتسافر بعيدا في الحلم بما تحت هذا النقاب، وسيدخله الإسبال الإيراني الذي يلفت الأنظار لصاحبته المتفردة قصدا بهذا اللباس في بيئة لم تعرفه من قبل فتصبح موضوعا للعيون التي تنتهبها وتجذب الأنظار أينما حلت وارتحلت على غير قصد الشرع في لباس المسلمة.. بل وسيعرف الحجاب الذي ترتديه صاحبته مع الجينز المحكم على الجسد وربما الاستريتش الشفاف.. بل وترتديه بعضهن مع لباس فاضح يظهر جزءًا من البطن يفصل ما بين نصفيها الأعلى والأسفل.
ستكتمل الدائرة الاستهلاكية الجهنمية وتظهر "المانيكان" المحجبة التي تحترف عروض أزياء المحجبات التي تدمنها نساء النخبة، وستظهر "الموديل" المحجبة التي تملأ صورها الصحف والمجلات وإعلانات الحائط تروج لأزياء مختلفة للمحجبات.. بل وستظهر "الموديل" المحجبة التي تغني وترقص بالحجاب في كليبات الأغاني الشبابية.. لقد تكونت على "الحجاب" سوق وتجارة وعرض وطلب بما جعله سلعة و أدخله في منطق السوق، وهو منطق لا بد أن يخرج به من عالم القيم (الستر والقصد في اللباس) إلى عالم الأشياء؛ حيث كل شيء سلعة في سوق.

الستر والتبرج

أتصور أن الخطاب الإسلامي في مسألة لباس المرأة يجب أن يعود من جديد إلى عالم القيم وينفصل تماما عن عالم الأشياء، فيبعد عن الشكل (الحجاب) ويركز في مقاربته على المضمون (الستر والاحتشام). ولا يجب أن تكون المواجهة بين الحجاب وغيره من اللباس، وإنما بين قيمة الستر والحشمة وبين التهتك والتبرج والإثارة والتلاعب بالجسد، وهو ما لم يمنعه الحجاب الخالي من الاحتشام.
الحشمة والستر هي روح ما قرره العلماء في مواصفات لباس المرأة؛ من أنه ينبغي ألا يصف ولا يشف ولا يكون زينة في ذاته.. وفي الأخيرة تشديد على أن جزءا من شرعية اللباس ألا يكون لافتا للأنظار مثيرا للانتباه متآلفا مع المجتمع وهو ما يتحقق في الاحتشام وقد لا يتحقق في أشكال الحجاب التي تمثل خروجا على المألوف والمستقر من لباس المجتمع كما هو الحال في الإسدال الإيراني في بلد كمصر تنتشر فيه الطرحة التقليدية، أو النقاب الخليجي في مجتمع كالمغرب تنتشر فيه أنواع من اللباس التقليدي المحتشم كالجلابة.
الحشمة مفهوم أوسع من مجرد الشكل/ الحجاب، ومظلته أشمل من مجرد المتدينين/ الإسلاميين، بل ويمكن أن تتسع لغير المسلمين أيضا؛ فرفض التهتك والإثارة واللعب بالجسد ليس خاصا بالمسلمين فقط، بل يمكن أن تلتقي عليه تيارات مختلفة من أديان وثقافات شتي في العالم ما زالت تبحث عن الإنسانية وترفض تحويل الإنسان إلى جسد يتحول إلى سلعة في ثقافة الاستهلاك والمتعة التي غزت العالم وكادت تخنق عالم الإنسان فيه.
إن تحول الخطاب الإسلامي إلى مقاربة الاحتشام بدلا من الحجاب سيفتح بابا لتوسعة مجال الخطاب الإسلامي ومداه بحيث يصبح أكثر انفتاحا على القيم الإنسانية محل الاتفاق؛ فيحول اللباس الإسلامي من لباس ديني إلى لباس إنساني تلتقي عليه الإنسانية في معركتها مع الابتذال والتهتك.