"دفاتر ممتلئة بمقررات اللغة العربية، وكتب لمناهج اللغة الإنجليزية والفرنسية، وأقلام جفت من عدم استخدامها"، هذا هو المشهد داخل منازل العديد من الشباب السوريين الذين هربوا من بطش الأسد، بحثا عن وطن يأويهم، فوجدوا أنفسهم أمام حياة جديدة لا يتعلمون فيها شيئا، ولا يعلمون عنها سوى أن عليهم أن يمتهنوا أية مهنة ليعملوا بها ليل نهار، حتى يحصلوا على قوت يومهم، فالثورة في سوريا لم تجعلهم يتركون مدنهم وأهاليهم ومدارسهم فقط، بل غيرت مسار حياتهم بالكامل ليتحولوا من طلاب إلى عمال وتجار وبائعين على الرغم من أنهم لم يبلغوا بعد سن العشرين.
ففي الوقت الذي يؤدي فيه الطلاب المصريين امتحانات نصف العام، تجد "غيث مياسة" الذي كان يدرس بالصف الأول الثانوي في "ريف دمشق" جالسا في أحد المطاعم الذي اتخذ من العمل فيه مصدرا لكسب قوته ورزق لأسرته، التي أتت بالكامل إلى مصر منذ ثلاثة أشهر هربا من أصوات الطائرات والمدافع الثقيلة التي كانت تقصف ريف دمشق يوميا.
"إما برجع إلى سوريا وبكفي دراستي هناك، أو بلا تعليم".. قالها غيث الذي سيتم عامه الـ17 الشهر القادم، بصوت مليء بالأسى، مسترسلاً "ما داعي التعليم طالما لست بسوريا، بكرة الله بينصر الثورة وينتقم من الظالم وجنوده، وبعود إلى مدرستي".
ويضيف غيث، "حتى لو أردت أن أعود إلى المدرسة، غير مسموح لنا بدراسة المناهج السورية، بندرس على النظام المصري الذي لا نعرف عنه شيئا، ومن أراد أن يدرس على النظام السوري، يجب أن يؤدي امتحاناته في السفارة السورية التابعة إلى النظام الذي تركنا بيوتنا ومدارسنا هربا منه".
قطع الحديث صوت ضحكاته الخافتة، فهيئته الممتلئة القصيرة ووجهه الذي يخط فيه شاربه أولى علامات الرجولة وضحكته الطفولية التي لا تفارق شفتيه، توحي بأنك أمام طفل شقي كثير المزاح، لكن بتدقيق النظر ستلمح وراء عيون ذلك الطفل شيخا كبيرا شاب شعره من هول ما رأي، وإذ به يقول وقد ارتسمت ملامح جادة على وجهه الذي كان يضحك منذ قليل "لولا الضحك كنا موتنا من الهم إذا نجينا من القصف" .
"عماد حروب" ابن الـ14 عاما، الذي فر من سوريا هو وعائلته هربا من قصف مدينة اللاذقية منذ أكثر من 7 أشهر، يعمل بمطعم للمأكولات السورية يقول لنا: "لولا أن هدمت قوات الأسد منازلنا، وشردت العائلات في حينا بعد أن قتلت منهم المئات، ما كنا تركنا سوريا ولا جينا على مصر، فالنظام يسهل دائما الخروج من البلاد حتى تخلو لها يفعل فيها ما يشاء".
ويوافق "عماد" على كلام صديقه "غيث" اللذان يعملان بنفس المطعم، بأنه لن يعود إلى الدراسة طالما لم يعود إلى سوريا، مبررا "أنه على الرغم من الترحيب الذي نلاقي به من كل من يتعامل معنا من المصريين، إلا أن الدراسة في مصر تحتاج إلى أموال كثيرة حتى نستطيع دراسة المناهج السورية، إضافة إلى أننا نرفض فكرة الدراسة خارج سوريا وهي تمر بتلك الظروف، فأضربنا عن التعليم حتى نعود إلى بلادنا".
الحال يختلف قليلاً عند "نضال حسن" الذي يعمل في أحد محلات بيع الملابس بمنطقة الهرم، ربما لأنه أتم دراسته الثانوية في سوريا والتحق بالجامعة في دمشق ليدرس الصيدلة، ولكن حالت الثورة وما تبعها من اشتباكات مسلحة بينه وبين حلمه من أن يكون صيدلي، لينتهي به الحال كبائع للملابس في إحدى شوارع القاهرة التجارية.
يقول "نضال" الذي أتي من "درعا" بحثا عن أمان له ولأمه العجوز التي لا يوجد من يرعاها سواه "التحقت بجامعة دمشق لأدرس الصيدلة قبل بدء الثورة بشهور قليلة، ولكن حين قامت الثورة وبدأت الاشتباكات المسلحة تصل إلي درعا، خشيت على أمي وعدت لاصطحابها معي، ولكن حينها لم تكن دمشق بأكملها أمان، فقررنا الرحيل إلي مصر، وهنا
يقول "نضال" الذي أتي من "درعا" بحثا عن أمان له ولأمه العجوز التي لا يوجد من يرعاها سواه "التحقت بجامعة دمشق لأدرس الصيدلة قبل بدء الثورة بشهور قليلة، ولكن حين قامت الثورة وبدأت الاشتباكات المسلحة تصل إلي درعا، خشيت على أمي وعدت لاصطحابها معي، ولكن حينها لم تكن دمشق بأكملها أمان، فقررنا الرحيل إلي مصر، وهنا
لم تسمح لي ظروف العيش بالتسجيل في الجامعة ومواصلة دراستي".
نُشر على موقع جريدة الشروق بتاريخ 21 يناير 2013
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق