الصفحات

الثلاثاء، 2 أبريل 2013

حين نظرت إلي مريم



يقولون أن الإنسان في أي وقت ممكن أن يمر بموقف يغير له حياته، صدفة لم يكن يتوقعها قد تكون كفيلة بأن ت

صدمه في نفسه وفي العالم من حوله، وتجعله يغير من أفكاره وعاداته ومبادئه أحياناً.

أعتقد أنني مررت بتلك الصدفة حين نظرت إلى مريم…

رأيت مريم مراراً في حياتي، رأيتها في وجوه الكثير من أطفال الشوارع، ولكني كنت آراها في عالمي .. كنت آراها أحياناً واقفة على رصيف المدينة النظيف، وأحياناً آخري أراها بجوار البحر أو في أي مكان يبدو نظيفاً وجميلاً .. ولا يعكر صفوه وجماله إلا شيء واحد… وجود مريم أو أحد أشباها فيه.

وكان رد فعلي تجاهها يتفاوت، فأحياناً التذمر من انتشار مريم وأشباهها بهذا الشكل، ليشوهوا جمال مدينتى المحببة، وأحياناً أخرى كنت أشفق عليها واتعاطف معها لكن دون أن اتخذ أى فعل تجاهها.

كنت أشعر دائماً أن ثًمة مسؤول عن انتشار مريم وأشباهها بهذا الشكل، لكنى كنت أمرر صورتها من رأسي دون أن أجهدها فى التفكير عن من المسؤول عن وجود مريم على الرصيف، وليس داخل فصلٍ في مدرسة، أو ملعبٍ في نادٍ، أو على أقل تقدير داخل غرفة فى منزل تحتمي به.

تلك المرة لم أنظر إلى مريم في عالمي، نظرت إليها فى عالمها هي، رأيتها في عشة صفيح يوجد بها أكثر من عشرون طفل على شاكلة مريم.

ولأول مرة يدفعنى فضولى أن اتجه إليها لأسئلها عن عائلتها، فقالت لى أنها لا تعرف لها عائلة!!

مريم الصغيرة الجميلة المُهملة، التي لم تتجاوز الخمس سنوات، عرفت بعد ذلك أنها ابنة لأم من أشباه مريم… فأمها أيضاً طفلة لم تتجاوز الـ18 عام هربت من أهلها وهى صغيرة ولم تجد لها مآوي سوى الشارع، فعاشت فيه وتحملت قوانينه، وبعد عامٍ أو أكثر قليلاً من هروبها أصبحت أماً لمريم..

وبعد أقل من عامين رحلت هذه الأم الصغيرة عن طفلتها ولم تعد، وبقيت مريم مع باقي رفاقها وأشباهها من المجهولين المُهملين.

ياااه لقسوة مجتمع أهًمل أفراده فحولهم من مواطنين كرماء، إلي أطفال تسكن الشوارع، واستزاد في إهمالهم حتى تحولوا لعائلات شوارع، أجيال جديدة تولد وتعيش في الشارع ونحن لا نشعر بها، نتعامل معهم كل يوم ونمر بهم دون أن نسأل أنفسنا عن الجهة التى يتوجهون إليها بعد أن يفارقونا.

حين نظرت إلي مريم تلك المرة، وجدت إجابة للسؤال الذى طالما خطر بذهنى، وطالما كنت أهرب من أن أجد له إجابة، وجدت في عيون مريم نظرة لوم ألقتها علىّ وعلى كل شخص يمر عليها كل يوم وينظر لها بل ويقسو عليها أحياناً.

القت مريم باللوم علينا لأننا أصبحنا نتعامل معها على أنه من المعتاد أن نراها هكذا على الرصيف، قد تكون مريم الصغيرة لا تعرف معني كلمة مدرسة أو منزل، ولكن فطرتها الطفوليه تأبي هذا الوضع، وتؤكد لها أنه ليس بالشيء الطبيعى أن يمر عليها الناس ويجدونها في الشارع قد افترشت الرصيف واتخذت منه مسكناً.

ذكر التقرير الذي أصدرته منظمة اليونسيف عام 2007 أن مصر بها 6 مليون طفل يعيشون في الشارع بلا منزل، بعد مرور أربع سنوات قد يكون هذا العدد ازداد، لكن من المؤكد أنه لن يكون نقص.

6 مليون شخص أو أكثر يعيشون في الشارع، بعضهم لم يعودوا أطفال، وبعضٍ آخر منهم أصبحوا آباء وأمهات لأطفال يعيشون فى الشارع هم الآخرين.

أفكر كيف مرت عليهم أيام الثورة والانفلات الأمني وحالة الرعب التي عشناها، أفكر كيف تمر عليهم أيام الشتاء حين تًغرق المدينة بالأمطار، افكر وافكر وافكر ..

بعد أن نظرت إلي مريم أصبحت أفكر فيهم كثيراً..
التحدي الأكبر لمجتعنا الآن ليس فى الحرية ولا الديمقراطية ولا كل النظم التي يدعو إليها المرفهون من السياسيين، الذين كانوا ينظرون إلي مريم ويتعاملون معها مثلما كنت افعل أنا، التحدي الأكبر لهذا المجتمع الآن أن يرد إليه مواطنيه ويُعيد إليهم إنسانيتهم، بأى نظام وتحت أى مسمى سواء كان ديمقراطي أو إسلامي أو ليبرالي أو علمانى أو بتنجاني. ردوا إلي هذا المجتمع أفراده، وردوا لأطفاله طفولتهم، ثم اختاروا له بعد ذلك الاسم الذي يحلو لكم.

----------

ســـيــــن

23\8\2011

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق