الصفحات

الثلاثاء، 23 أبريل 2013

كنيسة قصر الدوبارة... «بيت المصابين» في كل اشتباكات


 سلمى خطاب
في يناير 1940، أسس مجمع الدلتا الإنجيلي كنيسة جديدة في القاهرة على أن تجتمع هذه الكنيسة في القاعة المملوكة لدار تحرير إرسالية النيل في وسط القاهرة، وتزايد الحضور في هذه الكنيسة الوليدة للدرجة التي أصبحت الحاجة لمبنى كبير حاجة ملحة، وفي ديسمبر 1941 تم شراء قصر في ميدان التحرير بهدف هدمه وبناء الكنيسة الجديدة مكانه.

وفي 11 مارس سنة 1944 وقع الملك فاروق على التصريح الخاص ببناء الكنيسة، ووضع حجر الأساس في ديسمبر 1947 لكنيسة قصر الدوبارة الإنجيلية واكتمل البناء سنة 1950.

واستمرت الكنيسة الإنجيلية على مدار سنوات في تأدية دورها الكنسي، إلي أن قامت ثورة 25 يناير، وما تبعها من أحداث دعت الكنيسة التي تقع في ميدان التحرير إلي فتح مستشفي ميداني يستقبل المصابين فى الاشتباكات، بدءاً من أحداث محمد محمود الأولي وإلي الآن.

تقول إيفا بطرس المسئول عن المستشفي الميداني لكنيسة قصر الدوبارة أن المستشفي بدأت عملها مع أحداث محمد محمود الأولي، ولا تعمل إلا في أوقات الاشتباكات فقط، وأشارت إلي أن المستشفي تملك فريق خاص من الأطباء والصيادلة الذين يتم استدعائهم حين تحتاجهم المستشفي، كما أن المستشفي تعمل على توفير كل الأدوية والمستلزمات الطبية التي يحتاجها، ولا نطلب من المصابين أن يحضروا أي أدوية أو مستلزمات طبية،كما أن الكنيسة لا تقبل أي تبرعات من أي نوع فيما يخص المسشتفي الميداني، ولفتت إلي أن هذا النظام تم وضعه بعد حادثة السيدة التي أعطت الشباب في الميدان طعام مسمسم، وأصيب العشرات حينها، بالتسمم، ومنذ ذلك الوقت ونحن لا نقبل بأي أدوية أو محاليل أو طعام أو خيوط أو أدوات جراحة تأتي إلينا، وحدث كثيراً أن أجد أشخاص يأتون إلي المستشفي ويعرضون تقديم تبرعات ومساعدات لكن تلك الأشياء لا تقبل لأننا لا نثق في مصدرها.

وأوضحت أن في حال نقص دواء معين تكون المستشفي في حاجة إليه يتم التواصل مباشرة مع أطباء وصيادلة موثوقين، يقومون بتوفير الأدوية والأدوات الشحيحة في الحال، ومن المستحيل أن تقبل مستشفي قصر الدوبارة تلك المساعدات التي تأتي من مجهولي الهوية.
وتروى نادية محمد (طالبة في كلية الإعلام) قصتها مع المستشفي الميداني لكنيسة قصر الدوبارة، حيث تقول: بدأت معرفتى بقصر الدوبارة في أحداث محمد محمود الأولي حين فتحت المستشفى أبوابها، وقبلت الحالات التي لم تستطع المستشفيات الميدانية علاجها، منهم حالات مصابة بإصابات خطيرة بالخرطوش، وحالات لأشخاص كانوا فاقدين الوعي بكل كامل، لم ترفض قصر الدوبارة أي حالة، والمكان مجهز بشكل كبير لاستقبال المصابين.
إضافة إلي أن المستشفي لا تطلب مننا أن نأتي بالأدوية والمستلزمات الطبية مثلما تفعل المستشفيات الأخرى.
وتضيف دينا ولعان (الباحثة القانونية) والناشطة في كنيسة قصر الدوبارة، أن المسشتفي الميداني فى الكنيسة كان دائم التعاون مع المستشفي الميداني في مسجد عمر مكرم، فكنا نلجأ لهم حين يحدث نقص في الأطباء أو الأدوية، كما أن فريق العمل داخل المستشفي يعمل بنظام دقيق للغاية لتقديم الإسعافات الأولية للمصابين أو نقلهم إلي مستشفيات مجهزة بإمكانيات أعلي في حين كانت الإصابة خطيرة.
وتتذكر نانسي فارس (21 عام) وقت أحداث محمد محمود الأولي قصتها مع مستشفي الميداني لكنيسة قصر الدوبارة، حيث تقول "كان لنا أصدقاء يصابون كنا ننقلهم على الفور إلي المستشفى، لم يكن الملفت فى حينها أن الكنيسة كانت تقبل أي مصاب لتعالجه دون أن تسأل عن هويته، لكن كان الشيء الجديد هو تدخل الكنيسة فى السياسية وهو أمر غريب على الكنيسة المصرية، حتى في أيام الجمع التي كان بها مليونيات من المعروف أن الكنيسة يكون بها اجتماع صباح كل يوم جمعة، فكان نصف المتطوعين يحضرون الاجتماع، والنصف الآخر يتظاهر في الميدان، وفي حال وقعت اشتباكات تفتح المستشفي الميداني ابوبها لكل المصابين".

نُشر على موقع جريدة الشروق بتاريخ 23 إبريل 2013 

الأحد، 14 أبريل 2013

الحشمة قبل الحجاب دائما! (مقال لحسام تمام)


الحجاب ليس المؤشر الحقيقي على تدين المجتمعات




يؤمن كاتب هذه السطور بأن اللباس الشرعي للمرأة هو الذي يستر الجسم عدا الوجه والكفين، وتتحقق فيه شروط ثلاثة: ألا يصف ولا يشف ولا يكون زينة في ذاته يلفت إليها الأنظار، وأن هذه المواصفات ملزمة دينيا وينبغي على المرأة الاستجابة له أيا كان مسمى هذا اللباس وهيئته؛ ومن ثم فليس من همّ هذه المقالة الاشتباك قبولا أو رفضا مع "الحجاب" الذي صار عنوانا لهذا اللباس، كما لن تتطرق إلي الجدل النظري حول فرضيته، بل هي تسعى بالأساس إلى الاقتراب من روحه وفلسفته والتعرف على ما طرأ عليه من تحولات خرجت به عما شرع من أجله، ومن ثم تطرح -أخيرا- مقاربة مفادها أن الحشمة قبل "الحجاب" ومقدمة إليه.

أزياء الأخوات


يلاحظ المتابع لتاريخ الدعوة الإسلامية الحديثة أنها لم تكن تجعل من الدعوة إلى الحجاب قضية محورية؛ وأنها تكاد تكون غائبة أو متأخرة في أجندة الحركة الإسلامية في العقود الأربعة الأولى لنشأتها منذ أسس الإمام حسن البنا جماعة الإخوان المسلمين في مصر عام 1928. 
ومن يراجع التاريخ الاجتماعي لحقبة الأربعينيات التي تمثل أوج حركة الإخوان المسلمين أو يراجع أرشيف الصور الفوتوغرافية لهذه الفترة سيفاجأ بأن ملابس "الأخوات المسلمات" والناشطات في العمل مع الإخوان لم يكن يجاوز في أفضل الأحوال "الإيشارب" الذي يغطي الرأس و"الجونلة" الطويلة. ولم تكن ملابس بنات ونساء الإخوان المسلمين -فضلا عن علماء الأزهر ودعاته- تختلف كثيرا عن ملابس المجتمع المصري المحافظ، بل كانت هناك بعض الأسر التقليدية في صعيد مصر وبعض المدن أكثر تشددا في أزياء النساء حتى كانت المرأة فيها ترتدي زيا تقليديا يسترها بالكامل عند خروجها من المنزل، وكان خروج المرأة وقتها نادرا.
لم تكن الدعوة الإسلامية تتكلم وقتها عن شكل أو نمط محدد للباس المرأة إلا ما كانت ترفضه من ملابس نساء النخبة والطبقات المترفة المستغربة التي كانت تقلد المستعمر وتتماهى معه؛ فكانت مكشوفة وفاضحة تخالف الشرع لما فيها من إظهار لما حرمه الله من فتنة المرأة ولما فيه من خروج على قيم الستر والاحتشام المستقرة عند المجتمع. ودون ذلك لم يكن هناك استقطاب حول الزي ولباس المرأة.. فغالبية المجتمع كانت نساؤه محتشمات يقترب لباسهن من مواصفات الحجاب الشرعي إذا ما أردنا توصيف الحشمة والستر في قائمة مواصفات مفصلة (وإن كان يصح في رأيي النظر إلى لباس المجتمع التقليدي باعتباره عين اللباس الشرعي!).


الابتذال الممنهج

يؤرخ بنهاية الستينيات وعقد السبعينيات من القرن الماضي (العشرين) كبداية لانتشار ما صار يعرف بـ"الحجاب" وارتفاع الدعوة إليه على مدى واسع في بلد كمصر. في هذه الفترة كانت البلاد تعيش موجة واسعة للعري والابتذال، الممنهج أحيانا عبر التيارات اليسارية العلمانية، وهو ما ظهر جليا في الأعمال الفنية التي كانت تمثل خرقا وتعديا على ثقافة الستر والاحتشام التي تربى عليها المجتمع، وفي الفترة نفسها بدأت بواكير الصحوة الإسلامية التي تغذت من رافدين أساسيين: الرافد القطبي ذي الروح الانعزالية؛ المفارق للمجتمع والداعي لإعادة أسلمته من جديد (بعكس مشروع حسن البنا الداعي لاستكمال أسلمة المجتمع) والرافد الوهابي الحجازي الذي يقوم على سلفية شكلية تتعامل بتشدد في مسائل اللباس وتستحضر نموذجا محددا لما تعتبره لباسا شرعيا.. في هذه الفترة بدأ يظهر ما عرف بـ "الحجاب"، وارتفعت الدعوة إليه لباسا شرعيا بل واللباس الشرعي الوحيد للمرأة المسلمة.
لقد جرى تحول بالغ الأهمية مع الصحوة الإسلامية في عقد السبعينيات انتقلت معه الحركة الإسلامية في قضية لباس المرأة من خطاب يرفض العري والابتذال الذي يخرج عن قيم الستر والاحتشام التي عرفها المجتمع "المسلم" إلى خطاب آخر مختلف يسعى إلى تحديد الحجاب كلباس "شرعي" وحيد للمرأة يفترض أن تتجسد فيه كل القيم العليا التي يدعو الإسلام المرأة إلى الالتزام بها، وهو تحول جاء ضمن سعي "أيدلوجي" أوسع لبناء مجتمع بديل على أساس من الإسلام.
لقد نشطت الحركة الإسلامية بأطيافها المختلفة في الدعوة إلى الحجاب في صورة معينة ومحددة، خلافا لما كان عليه النظر الفقهي والشرعي المستقر في أن أي لباس للمرأة مباح (أي: شرعي) طالما كان ساترا للجسد فلا يصفه أو يحدده، ولا يشف عما تحته، ولا يكون زينة في ذاته؛ أي لا يكون لافتا يمثل خروجا على الزي السائد والمقبول من المجتمع المسلم.

الحجاب "الاسكندراني"

حاولت أن أتتبع تاريخيا الزمان الذي ظهر فيه الحجاب بصورته المتداولة بين الإسلاميين فرجحت أغلب الروايات أنه بدأ في منتصف السبعينيات بجامعة الإسكندرية التي كانت السلفية هي المهيمنة على الجماعة الإسلامية فيها، وربما كان هذا سبب شيوع صفة الحجاب "الإسكندراني" على هذا النوع من الحجاب الذي تم تعميمه فيما بعد -عبر الجماعة الإسلامية- على بقية الجامعات المصرية ومنها خرج إلى المجتمع المصري واستقر عنوانا وحيدا لللباس الشرعي.
لم تعد المتبرجات السافرات الخارجات على الحشمة المتبرجات هن وحدهن المستهدفات بالخطاب الإسلامي الجديد في قضية اللباس؛ بل صارت كل فتيات ونساء المجتمع -ومنها المحتشمة التقليدية أو المحافظة- مستهدفة أيضا بهذا الخطاب الحاسم والقاطع في أنه لا لباس "شرعي" يجوز لهن إلا الحجاب بالمواصفات التي صاغتها الحركة الإسلامية من تصورها لما كان عليه لباس المؤمنات في زمان السلف الصالح: الحجاب الواسع الطويل المنمط ذو اللون الواحد الذي كان غريبا عن لباس المجتمع.
لم يعد المطلوب من الفتاة أو المرأة أن تلتزم القصد في الملبس أو الاحتشام، وهو ما يمكن أن تجده في لباس أمها وجدتها المنتشر في الريف أو الصعيد أو العائلات التقليدية والمحافظة، بل صار عليها الدخول في لباس جديد لم يتأثر في شكله وطبيعته بأي من مؤثرات التاريخ والجغرافيا ولا تظهر فيه أي تعددية ثقافية أو اجتماعية.. إنه لباس وليد رؤية سلفية لا تاريخية مخاصمة للثقافة والتراث ومستعصية على فعل التاريخ.. تحيل إلى نموذج متخيل لا تاريخي في اللباس.. نموذج جرى تعميمه باعتباره اللباس "الشرعي" الوحيد؛ فصار يباع في الجامعات والمدارس والمساجد بأسعار رمزية لتيسير نشره، وكثيرا ما يتحول إلى هدية توسلية يتوجه بها إلى الفتاة المستهدفة بالدعوة!.
طوال عقد السبعينيات جرى ما أسميه بـ "أيقنة" الحجاب كشكل محدد للباس الشرعي للمرأة؛ أي تحويل الحجاب إلى أيقونة ترمز لمجموعة من القيم والأخلاق وتكاد تجسدها حصريا فضلا عن اختصاره لكل قضايا المرأة المسلمة التي تبدأ ولا تنتهي إلا به، لقد جرى الربط الشرطي والآلي بين ارتداء الحجاب وبين الأخلاق، بحيث صار الحجاب علامة وحيدة وحصرية على الأخلاق التي يفترض أنها تغيب بغيابه وتحضر بحضوره.. فصكت شعارات مثل: حجابك أخلاقك، حجابك عفتك، الحجاب فريضة كالصلاة، الحجاب قبل الحساب، الحجاب عفة طهارة نقاء، الحجاب عنوان حيائك.. وكان الربط الآلي والشرطي بين شكل معين للباس وبين معاني الحياء والعفة والطهارة والنقاء جزءًا من سمة الاختزال والتسطيح التي غلبت على الخطاب الإسلامي الحركي ذي النفس الأيدلوجي الذي ساد حقبة السبعينيات والثمانينيات.
لقد صار الحجاب اللباس الطبيعي والحصري الذي يميز الأنثى المسلمة، وتم تعبئته بحمولة شرعية وأخلاقية كبيرة حرم معها أي لباس آخر غير الحجاب، حتى ولو توفرت فيه الشروط التي استقر عليها النظر الفقهي التقليدي، كما نظر إلى الحجاب منفصلا عن الحشمة التي هي تحييد الأنثى لجسدها وأنوثتها في التعاملات والعلاقات التي يفترض أن تدور خارج ثنائية الذكر والأنثى مثل العمل والدراسة وخلافه.. ومن مفهوم أن يكون الحجاب هو أكثر ما يتحقق فيه هذا الحياد، لكن الواقع يقول إن هذا الحياد كثيرا ما تحقق في لباس آخر غير الحجاب كما نراه في لباس المرأة التقليدية أو المحافظة التي مازالت تتمسك بالاحتشام في الملبس والبعد عن الإثارة دون ارتباط بنظر فقهي معين.
وعلى الرغم من أن هذا التحييد/ الاحتشام من المفترض أن تتوفر شروطه في المحجبات، فإن الواقع أن جزءًا ليس هينا من المحجبات (كما سنرى) يتصرفن كإناث يرغبن في إبقاء جمالهن ضمن المعادلة، بل أكثر من ذلك يرغبن في أن تتحكم الأنثوية في علاقات لا ينبغي أن تحضر فيها الأنوثة.



أيقنة الحجاب
إن الذي جرى من جعل "الحجاب" أيقونة تجسد كل معاني الأخلاق والالتزام الديني كان سببا في غياب الفهم الصحيح للحجاب ومسيرته التي سرعان ما أصيبت بانتكاسة في السنوات الأخيرة سواء في معدلات انتشاره أو حتى في حمولته الدينية.
لقد حالت "أيقنة الحجاب" دون فهم حقيقة أن الحجاب لم يكن يصلح يوما كمؤشر حقيقي ووحيد على قياس مدى تدين المجتمعات التي ينتشر فيها. فكثيرا ما كانت له دلالات لا صلة مباشرة لها بالتدين بقدر ما لها صلة بتحولات اجتماعية وسياسية جذرية تعيشها هذه المجتمعات دون أن يلغي ذلك حقيقة وجود دوافع دينية وراءه.
فكثيرا ما كان الحجاب عنوانا على نزعة استقلال للفتاة أو المرأة التي دخلت عالم الحداثة لكن عبر بوابة التدين.. وهو ما جرى في مصر مثلا؛ حيث كثيرا ما كان الحجاب في حقيقته دليلا على استقلالية المرأة ورغبتها في التحرر من التقاليد؛ ومنها تقاليد اللباس سواء أكان سافرا خارج على الحشمة أو تقليديا محافظا.
إن كثيرا ممن ارتدين الحجاب لم يكن دافعهن رفض السفور والتبرج فقط وهو ما يمكن أن يتحقق في اللباس التقليدي المحتشم مثلا، بل كان دافعهن الاستقلال والتحقق الذاتي أيضا.. فقد أضحت الفتاة المحجبة تتمتع في المجتمع بميزات لا تتمتع بها قرينتها المحافظة المحتشمة، مثل الدخول في النشاط الديني أو الحركي بما فيه معارضة السلطة، بل كثيرا ما نالت بسببه امتيازات لم تكن لقرينتها المحافظة التقليدية، مثل الخصوصية أو السماح بالتأخر عن البيت لضرورة العمل الدعوي أو الحركي.. لقد حصلت كثيرات من الفتيات عبر الحجاب على الثقة والاستقلالية والقدرة في مواجهة المجتمع بما أسس لهن من حقوق لم تحصل عليها الفتاة المحافظة الأكثر انصياعا لقيم المجتمع وتقاليده.
وفي حالات أخرى كان الحجاب أقرب إلى تحصن بهوية مفترضة (أو اصطناع لها أحيانا) احتجاجا على التهميش والظلم الاجتماعي الذي تتعرض المرأة، كما يمكن فهم لجوء كثير من المسلمات في الغرب إلى الحجاب إعلانا لتحدي التهميش والظلم الذي تقوم به المجتمعات الغربية للمسلمين؛ فتعاملهم كمواطنين من الدرجة الثانية وربما الأخيرة.. ومرات أخرى كان الحجاب إعلانا على الانضواء في مشروع أيدلوجي ديني جذري، مثلما يمكننا فهمه في تظاهرات الحجاب أثناء الثورة الإيرانية.. وأخيرا فقد يكون دلالة على الانصياع لضغوط الفضاء الاجتماعي الذي صار فيه الحجاب عنوانا على التدين كما سنعرض لاحقا.


التدين والحجاب

إن أيقنة الحجاب كانت مسئولة أيضا وإلى حد كبير عن التحولات المأساوية التي أصابت الحجاب.. فقد أدى الربط الشرطي والآلي بين التدين والحجاب إلى أن يصير الحجاب وحده هو عنوان التزام الفتاة وتدينها. لقد صار الشكل (الحجاب) مقدما على المضمون (الستر والاحتشام) في تقييم تدين الفتاة وأخلاقها.. حيث تم تكثيف كل معاني الأخلاق والالتزام الديني (عفة، طهارة، نقاء) في الشكل/ الحجاب.. ثم جردت كل من تفتقد هذا الشكل من كل هذه المعاني الإيمانية والخلقية.
انتشر الحجاب فيما مضي بوازع ديني (موجة تدين عام) قوّاه ما جرى من هذا الربط الشرطي والآلي، لكنه صار فيما بعد ضاغطا متحكما بل ومتسلطا في الفضاء الاجتماعي، بحيث أصبح عبئا شكليا لا حيلة أمامه إلا التحايل عليه والالتفاف أو التلاعب به، فصرنا أمام حالة أقرب إلى حالات النفاق، لقد تحول "الحجاب" من قناعة دينية إلى سلطة اجتماعية؛ فكان أن ابتلعه المجتمع وأعاد إنتاجه في صورة قد لا تكون له أدنى صلة بأصله.
لقد أدت الرمزية التي اكتسبها شكل الحجاب إلى أن يصير متحكما في الفضاء الاجتماعي؛ فدخلت تحته مضطرة -لاكتساب شرعية الاعتراف بالتدين والأخلاق- قطاعات واسعة من الفتيات والنساء التزمن بارتدائه شكليا دون أي التزام بمضمونه ومبتغاه.. وهو ما انتهى تدريجيا إلى أن يتحول جهد هؤلاء الفتية والنسوة إلى التلاعب الحجاب والاشتغال على تفريغه من مضمونه، فظهرت أنواع من الحجاب لا صلة بينها وبين الحجاب "الشرعي"، بل ولا تتصل بأي سبب بمعاني الستر والاحتشام.
بعكس الحشمة التي تركز على مخاطبة الضمير وتسعى لضبط سلوك الأنثى ذاتيا؛ صار الحجاب يركز على الانصياع الشكلي ويسعى إلى إرضاء الفضاء الاجتماعي الذي ترسخ فيه الربط الميكانيكي بين الحجاب وكل معاني التدين والتخلق، فصار على الفتاة أو المرأة أن تعتمد الصيغة الشكلانية المقبولة أو المفروضة اجتماعيا (في بعض الأحيان) دون تعمق في روحها أو تحقق لمقصدها، بل وقد تبالغ أحيانا فترتدي أشكالا بالغة التشدد من الحجاب (النقاب أو الحجاب المقارب للنقاب).. ثم تبدأ -بعد أن تكتسب شرعية الحجاب المجتمعية الذي يعطيها أحقية التحلل من مفهوم الحشمة- في اللعب بالأنوثة والجسد الذي ينطق بل ويصرخ من وراء الحجاب ورغما عنه، وساعتها يصبح على المجتمع أن يخوض معركة يجرب فيها من دون جدوى كل الوسائل لضبط هذه الأنوثة التي قررت أن تتحداه وتعلن عن نفسها من وراء الحجاب/ الشكل الذي ألزمها به!.

حجاب التباهي

ولأنه صار أيقونة كان لا بد أن يتحول إلى سلعة في سوق العرض والطلب الذي سيتضمن ألوانا من الحجاب لا تتحقق فيها أي معاني الستر والاحتشام، ولا علاقة لها بالحجاب الذي بدأ وظل شرعيا حينا من الدهر.. سيدخل الحجاب ضمن بيوت الأزياء التي تحوله إلى "موضة" تتجدد بلا توقف، وتجعل منه موضوعا للإثارة والجاذبية والمتعة التي لا تنضب، وسيعرف طريقه إلى الطبقات المترفة التي ستدخل به في صراع الاستهلاكية فيصبح موضوعا للترف والتباهي بعدما كان -في معظمه- لباسا للفقراء والزهاد والمقتصدين في السلوك والأخلاق.. سيعرف عالم الحجاب النقاب الخليجي الذي يلهب -بالعيون المكتحلة والرموش المصطنعة- خيالات المراهقين فتسافر بعيدا في الحلم بما تحت هذا النقاب، وسيدخله الإسبال الإيراني الذي يلفت الأنظار لصاحبته المتفردة قصدا بهذا اللباس في بيئة لم تعرفه من قبل فتصبح موضوعا للعيون التي تنتهبها وتجذب الأنظار أينما حلت وارتحلت على غير قصد الشرع في لباس المسلمة.. بل وسيعرف الحجاب الذي ترتديه صاحبته مع الجينز المحكم على الجسد وربما الاستريتش الشفاف.. بل وترتديه بعضهن مع لباس فاضح يظهر جزءًا من البطن يفصل ما بين نصفيها الأعلى والأسفل.
ستكتمل الدائرة الاستهلاكية الجهنمية وتظهر "المانيكان" المحجبة التي تحترف عروض أزياء المحجبات التي تدمنها نساء النخبة، وستظهر "الموديل" المحجبة التي تملأ صورها الصحف والمجلات وإعلانات الحائط تروج لأزياء مختلفة للمحجبات.. بل وستظهر "الموديل" المحجبة التي تغني وترقص بالحجاب في كليبات الأغاني الشبابية.. لقد تكونت على "الحجاب" سوق وتجارة وعرض وطلب بما جعله سلعة و أدخله في منطق السوق، وهو منطق لا بد أن يخرج به من عالم القيم (الستر والقصد في اللباس) إلى عالم الأشياء؛ حيث كل شيء سلعة في سوق.

الستر والتبرج

أتصور أن الخطاب الإسلامي في مسألة لباس المرأة يجب أن يعود من جديد إلى عالم القيم وينفصل تماما عن عالم الأشياء، فيبعد عن الشكل (الحجاب) ويركز في مقاربته على المضمون (الستر والاحتشام). ولا يجب أن تكون المواجهة بين الحجاب وغيره من اللباس، وإنما بين قيمة الستر والحشمة وبين التهتك والتبرج والإثارة والتلاعب بالجسد، وهو ما لم يمنعه الحجاب الخالي من الاحتشام.
الحشمة والستر هي روح ما قرره العلماء في مواصفات لباس المرأة؛ من أنه ينبغي ألا يصف ولا يشف ولا يكون زينة في ذاته.. وفي الأخيرة تشديد على أن جزءا من شرعية اللباس ألا يكون لافتا للأنظار مثيرا للانتباه متآلفا مع المجتمع وهو ما يتحقق في الاحتشام وقد لا يتحقق في أشكال الحجاب التي تمثل خروجا على المألوف والمستقر من لباس المجتمع كما هو الحال في الإسدال الإيراني في بلد كمصر تنتشر فيه الطرحة التقليدية، أو النقاب الخليجي في مجتمع كالمغرب تنتشر فيه أنواع من اللباس التقليدي المحتشم كالجلابة.
الحشمة مفهوم أوسع من مجرد الشكل/ الحجاب، ومظلته أشمل من مجرد المتدينين/ الإسلاميين، بل ويمكن أن تتسع لغير المسلمين أيضا؛ فرفض التهتك والإثارة واللعب بالجسد ليس خاصا بالمسلمين فقط، بل يمكن أن تلتقي عليه تيارات مختلفة من أديان وثقافات شتي في العالم ما زالت تبحث عن الإنسانية وترفض تحويل الإنسان إلى جسد يتحول إلى سلعة في ثقافة الاستهلاك والمتعة التي غزت العالم وكادت تخنق عالم الإنسان فيه.
إن تحول الخطاب الإسلامي إلى مقاربة الاحتشام بدلا من الحجاب سيفتح بابا لتوسعة مجال الخطاب الإسلامي ومداه بحيث يصبح أكثر انفتاحا على القيم الإنسانية محل الاتفاق؛ فيحول اللباس الإسلامي من لباس ديني إلى لباس إنساني تلتقي عليه الإنسانية في معركتها مع الابتذال والتهتك.


الجمعة، 12 أبريل 2013

«هن».. وجوه مألوفة يشاركن في التظاهرات لحماية الشباب من الغاز والخرطوش


سلمي خطاب 

"أنا نازلة عشان أحمي ولادي... لما مش بنشارك بيضربوهم بالغاز والخرطوش"، بهذه الكلمات بدأت سعدية محمد (56 عاما) حديثها ل"الشروق".

فمنذ بدأ المطالبة برحيل الحكم العسكري، تداول النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي مزحة تقول "احنا الجيل اللى مش بيخاف يقف قدام الدبابات لكنه يخاف أن يقول لأهله إنه نازل المظاهرة"، وعانى الكثير من الشباب من تحفظ أهاليهم ومنعهم من المشاركة في الاحتجاجات والفعاليات السياسية المختلفة في الشارع خاصة، مع ظهور الطرف الثالث الذي دائما ما كان ينهي الاحتجاجات السلمية بأحداث عنف.

ثم تغير الوضع وباتت وجوه مألوفة تشبه وجوه أمهات الشباب الذين يشاركوا في المظاهرات في الظهور، خلال الاحتجاجات والتظاهرات المناهضة للنظام.

حيث توضح "سعدية محمد" والتي تعمل في هيئة البحوث الزراعية منذ عام 1996 ولم يتم تعيينها إلى الآن بسبب الفساد الإداري- بحسب ما قالت -"أنا لا أشارك في التظاهرات طلبا لدعم في مشكلتي، أنا أستطيع أن أخد حقي منهم، لكني أشارك دعما للأولاد والشباب الذين يتظاهرون لتحرر بلادنا".

وعلى الرغم من رفض أبنائها وخوفهم الدائم من مشاركتها في المظاهرات والفاعليات السياسية المختلفة، إلا أن سعدية تؤكد أنها دائما ما تسعى للمشاركة، لأنها تؤمن أن التغيير لن يحدث إلا من الشارع المصري والمواطنين العاديين الذين يعانون من تردي الأوضاع الاقتصادية وباتوا لا يقدرون على توفير أدنى احتياجاتهم المعيشية.

توافقها في الرأي نجاة سعيد (61 عاما)، والتي كانت كانت تعمل مدرسة لغة عربية، حيث تقول: "الأمور كلها تدهور على كل المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وهؤلاء الشباب لديهم كل الحق، ويجب أن نقدم لهم الدعم والمساندة".

أما حمدية محمد (49 عاما- ربة منزل) والتي وقفت إلى جوار ثلاث من ربات البيوت صديقاتها، في تظاهرة أمام القضاء العالي منذ يومين، حاملين لافتات كتب عليها "ارحل"، فتطالب الرئيس محمد مرسي بالتنحي مثل سابقه، وتقترح بعد رحيله أن تستلم المحمكة الدستورية العليا إدارة شئون البلاد، وتصدر إعلانا دستوريا مؤقتا، تجري بعده على الفور انتخابات نزيهة، يمنع من المشاركة فيها كل من أفسدوا الحياة السياسية في العقد الماضي، والإخوان الذين عملوا على استغلال المرحلة الانتقالية والاضطرابات التي تمر بها البلاد للوصول إلى مناصب في السلطة على حساب دماء الشباب وثورتهم "على حد قولها".

وتشاركها في الحديث صديقتها فاطمة سليمان (56 عاما- ربة منزل) والتي تعرفت عليها من خلال مظاهرة سابقة للاحتجاج على سياسات جماعة الإخوان المسلمين في الحكم، مؤكدة أن الأمور على المستوى الاقتصادي تسير للأسوأ، وصار واجبا على كل المصريين أن ينزلوا لإسقاط حكم مرسي الذي لا يختلف كثيرا عن حكم مبارك، بل على العكس يعمل على تدمير البلاد وإثارة الفتن بداخله.

وفي السياق ذاته، لم يكن أمام هادية كامل (58 عاما- ربة منزل) التي اتخذ ابناها الاثنان قرارا بالهجرة خارج البلاد، خيار سوى أن تشارك في تلك المظاهرات المناهضة للنظام، على أمل أن يسقط ذلك النظام ويحدث تغيير للأفضل يدفع أبناءها للتراجع عن قرار الهجرة.

حيث أوضحت، أن ابنيها اللذين تشاركا في شركة للسياحة منذ 7 أعوام، بدأت شركتهما في الانهيار، وأصبحا مهددين بالإفلاس، مما دفعهما إلى تصفيتها واتخاذ قرار بالهجرة إلى خارج البلاد.

نشر على موقع جريدة الشروق بتاريخ 9 إبريل 2012

الأحد، 7 أبريل 2013

صلاه من أجل السلوك (جلال الدين الرومي)



لنتوسل إلي الله أن يساعدنا على ضبط أنفسنا...
ذلك أن من لايملك القدرة على ضبط نفسه يحرم من رحمة الله.

إن من يطلق العنان لنفسه دون رقابة أو سيطرة...
لايفسد ذاته فحسب... إنما يوقد النار في العالم كله 

ما يحدث للمرء من حزن واكتئاب...
إنما هو نتيجة لما قام به من عمل سيء وما قام به من عمل سيء، وما قاله من كلام مهين 

وأن من يتصرف بغير احترام مع الصديق 
فهو قاطع طريق يسيء للناس وهو ليس بإنسان 

من خلال الطاعة ملئت السماء بالنور 
وعن طريقها صار الملائكة تقاه مقدسون 

وبسبب عدم الصلاح تنكسف الشمس 
وبسبب الغطرسة والعجرفة يعود إبليس ثانية من الباب! 

الأربعاء، 3 أبريل 2013

لا ربح دون مغامرة (جلال الدين الرومي)


حين تبحر بحمولتك على ظهر سفينة 
فإنك تغامر على الثقة 
لأنك لا تعلم إن كنت ستغرق أو ستصل سالماً إلي حيث تريد! 
وإن قلت لن اعتلى متن السفينة هذه حتي اتأكد من مصيري 
فإنك لن تستطيع أن تمارس أي تجارة 
إن السر في هذين الأمرين لا يمكن كشفه أبداً 
لا يمكن للتاجر المخلوع الفؤاد أن يربح أو يخسر 
كلا إنه يخسر 
إذ على الإنسان أن يتحمل النار ليحصل على الدفء 
ولأن الأمور تنحو باتجاه الأمل 
فمن المؤكد أن الإيمان خير باعث للأمل 
إذ به يربح المرء الخلاص 

الصوفي الحقيقي (جلال الدين الرومي)


ما الذي يصنع الصوفي...؟ 
يصنعه نقاء القلب لا قطعة القماش السوداء التي تزين ملابسه من بين كل رجال الأرض الذين يحاولون أن يدعوه باسمه، تجده في ثيابه المهلهلة يتحسس الجوهر النقي.. 
ويجد في المصاعب الرجاء... وفي البلية الفرح. 
الحراس الأشباح الذين يحرسون بوابة قصر الجمال والمداخل مسدلة الستائر. 
تتسلم أمامه فيجتازا غير رجل ويري سلم الملك ويدخل 

من الرهبنة إلي الصوفية.. المؤتلف والمختلف بين الصوفيين والسلف


الصورة لراقص مولوية... وهي إحدي الرقصات الصوفية 


رؤية السلف للصوفية

ذكرت بعض المنتديات السلفية (منتدى حراس العقيدة) أن المنهج الصوفى يخالف منهج السلف ويبتعد كثيرا عن الكتاب والسنة‏.‏ فيذكر المنتدى أن الصوفيين قد بنوا دينهم وعبادتهم على رسوم ورموز واصطلاحات اخترعوها، وهي تتلخص في قصرهم العبادة على المحبة، وإهمال الجوانب الأخرى، كجانب الخوف والرجاء،‏ ويقولون أن العبادة ليست مقصورة على المحبة كما يزعمون، بل لها جوانب وأنواع كثيرة غير المحبة كالخوف والرجاء والذل والخضوع والدعاء إلى غير ذلك، ولهذا يقول بعض السلف‏:‏ من عبد الله بالحب وحده فهو زنديق، ومن عبده بالرجاء وحده فهو مرجئ، ومن عبده بالخوف وحده فهو حروري، ومن عبده بالحب والخوف والرجاء فهو مؤمن موحد‏.‏

ويضيف المنتدي أن الصوفية في الغالب لا يرجعون في دينهم وعبادتهم إلى الكتاب والسنة والاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما يرجعون إلى أذواقهم وما يرسمه لهم شيوخهم من الطرق المبتدعة، والأذكار والأوراد المبتدعة، وربما يستدلون بالحكايات والمنامات والأحاديث الموضوعة لتصحيح ما هم عليه، بدلا من الاستدلال بالكتاب والسنة، هذا ما ينبني عليه دين الصوفية‏، كما أن من دين الصوفية التزام أذكار وأوراد يضعها لهم شيوخهم فيتقيدون بها، ويتعبدون بتلاوتها، وربما يفضلون تلاوتها على تلاوة القرآن الكريم، ويسمونها ذكر الخاصة‏.‏

وتأخذ بعض آراء الباحثين والعامة فى هذا المنتدي على الصوفية الغلو في الأولياء والشيوخ والتى يراها السلف مخالفة لعقيدة التوحيد التى يرون أنها موالاة أولياء الله ومعاداة أعدائه قال الله تعالى:‏ «‏إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون‏»‏‏.‏ ‏[‏المائدة، الآية‏:‏ 55‏]‏‏.‏ وقال تعالى:‏ «‏يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء‏»‏‏.‏ ‏[‏الممتحنة، الآية‏:‏ 1‏]‏‏.‏

كما يرى زوار المنتدي أن من دين الصوفية "الباطل" –على حد وصفهم- تقربهم إلى الله بالغناء والرقص، وضرب الدفوف والتصفيق‏.‏ ويعتبرون هذا عبادة لله‏، وأيضاً الأحوال التي تنتهي بصاحبها إلى الخروج عن التكاليف الشرعية نتيجة لتطور التصوف.

وذكر الباحث رمضان عبد الرحمن فى مقال له بعنوان "من الصوفية إلي الرهبنة النصرانية" نشر فى عام 2008 على موقع لواء الشريعة، أن الصوفية ابتعدوا كل البعد عن بساطة عقيدة الإسلام وذهبوا بأرجلهم وإرادتهم ورغبتهم إلى مشابهة رهبانية النصارى وبدعها، التي قال الله تعالى فيها: {ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ}[الحديد27].

ويستعرض عبد الرحمن مظاهر التشابه بين الصوفية والرهبنة، من خلال الشكل المتمثل فى التزام الاثنين بلبس الصوف، وأن الرهبان النصاري قد اتخذوا لبس الصوف زي خاص بهم، وهكذا لفظ الصوفية المشتق من لبس الصوف، الذي يعتبره رمزاً للمسيحية.

كما يعرض التشابه فى اتخاذ الصوفية الخانقاوات والزوايا للتعبد وانعزالهم عن الدنيا، مما اعبره تشبه تام بأديرة الرهبان ذات الأسوار العالية البعيدة عن العمران.

ويضيف عبد الرحمن فى مقالته أن بعض مؤرخي النصارى يذكرون أن النصرانية استطاعت أن تعلم صوفية المسلمين آدابًا وعادات كثيرة عن طريق زمرة المتقشفين وفرق الرهبان المتجولين, ولاسيما الجماعات السورية المتجولة في كل مكان ممن كانوا على الأغلب من فرق النصارى النسطوريين, في حين أن تأثير كنائس المسيحية في المسلمين كان في نطاق محدود جدًا.

كما ذكرت بعض المنتديات والمواقع السلفية أن التصوف أسوأ كيد ابتدعه الشيطان ليسخِّرَ معه عبادَ الله في حربه لله ولرسله، إنه قناع المجوس حيث يتراءى بأنه رباني، بل إنّ التصوف قناع لكل عدو أراد أن يحرف الناس عن الدين الحق!

وعلى الجانب الآخر يذكر يوسف زيدان أستاذ الفلسفة الإسلامية والدراسات الصوفية، فى دراسة له بعنوان " الرؤية الصوفية للعالم.. فى عموم النزعة التصوفية" بأن التصوف نزعةٌ إنسانيةٌ عامة، و"التصوف الإسلامى" هو أحد أشكالها وتجلياتها الكثيرة، التى لا تكاد تخلو منها ثقافةٌ إنسانية

ويشير زيدان إلي نقتطان أساسيتان فى بداية الحديث عن التصوف، النقطة الأولى منهما، أن (التصوف) يختلف عن تلك الاحتفالات الشعبية المسماة "الموالد" وإن كان كلاهما قد ارتبط بالآخر فى أذهان معاصرينا، فصرنا نقول عن هذه المظاهر الشعبية (الفلكلورية) إنها احتفالات صوفية

والنقطةُ الأخرى، هى أن لفظ (التصوف) ذاته، هو من الألفاظ المربكة، مترهلة الدلالة. حتى إن بعض المؤرِّخين اعتبر الكلمة كأنها غير عربية أصلاً، وإنما يونانية مشتقة من كلمة "صوفيا" التى تعنى الحكمة، ومنها أيضاً جاءت كلمة "الفلسفة" وبعض المؤرِّخين أرجع دلالة الكلمة إلى "لبس الصوف" الذى تميَّز به أوائلُ الصوفية، كعلامة على التقشف، لأن الصوف آنذاك – بسبب وفرة الغنم- لم يكن غالى الثمن مثلما هو الآن، كما أن بعض المفكرين قالوا إن التصوف اسمٌ غير مشتقٍ من شىء، إلا من الصفاء الذى يقترن بالمسيرة الروحية لهؤلاء الذين عرفوا أن الدين له أسرارٌ عميقةُ المعانى، تتجاوز العبادات الظاهرة والتكاليف الشرعية المعروفة التى تمثل ظاهر الشريعة بينما يمثل التصوف باطن الحقيقة.

ويرى زيدان أن التصوف إجمالاً هو "تذوق الشريعة"، وهو التوغل فى رؤية العالم، بحيث لا يقف الصوفى عند ظاهر الأمور، وإنما يسعى لاستشعار حقيقتها الباطنة، وأيضاً التصوف عكوفٌ على الذات، بمعنى مراقبة النفس والإبحار فيما يتجلى بقلب الصوفى من رؤى ومشاهدات، على اعتبار أن النفس، أو بالأحرى: الروح، هى المرآةُ التى يتجلَّى على صفحتها الكونُ كله.

رؤية الصوفيين أنفسهم

كما يرى زيدان أن التصوف يشق مجراه فى تأويل النصوص، ويرى أن التأويل أمر لازم للنصوص الدينية ، فبدون التأويل لا يكون النص دينياً وإنما يتحول إلي نظرية ما أو قاعدة أخلاقية، ويذكر زيدان أن هذا ما جعل الحلاج يقول " اقرأ القرآن كأنه نزل فى شأنك أنت"، وهو ما يفتح باب التأويل على مصرعيه.

ويؤكد زيدان أن أسس الايمان في التصوف الاسلامي هي من الاسلام . فعقيدة التوحيد والتصديق بالرسالة والتقيد بالفرائض هي من اصل اسلامي . وقد التزم بذلك متصوفة القرنين الاول والثاني من الهجرة وبعض متصوفة القرن الثالث والرابع ، غير ان هذا التصوف لم يبق بمعزل عن المؤثرات الخارجية كالتأثير المسيحي في فكرة الحب الإلهي التي دعت اليها رابعة العدوية ( 186 هـ ) ، وكذلك مظاهر العزلة التي نجدها في حياة بعض السالكين بما يشبه حياة الرهبان .

ويوضح زيدان فى دراسته أن للتصوف الاسلامي ادوار شأنه شأن أي نشاط فكري أو وجداني ، فقد نشأ اولا بسيطا ، ثم اتسع وتطور بحكم النمو الطبيعي وبتأثير العوامل الخارجية . وأوجز التصوف الاسلامي في ثلاثة ادوار رئيسية هي الزهد العلمي ، والفلسفة الصوفية وأخيراً لمبادئ المتطرفة .َ

فدور الزهد العلمي لم يكن فيه التصوف مدرسة فكرية متمية بذاتها وإنما كان مجرد طريقة زهدية تتصف بالرغبة الشديدة في ممارسة شعائر الدين والاستهانة بأمور الدنيا مع القيام بفرائض الدين على اكمل وجه، . وبدأت هذه النزعة اكثر وضوحا وتميزا في تعاليم الحسن البصري ومواعظه الدينية في مسجد البصرة ولهذا عده المتصوفة رئيسهم الأول.

أما دور الفلسفة الصوفية فقد بدأ بالتأثر الخارجي في النزعة الزهدية عندما اختلطت الشعوب الاسلامية بالامم الاخرى نتيجة الفتوحات الاسلامية خاصة في الهند وفارس والروم، واتجه المذهب الصوفي بعد ذلك اتجاهين فيهما فكر وفلسفة

ودور المبادئ المتطرفة الذي من أشهر رواده ابو منصور الحلاج ( 310 هـ ) غالى غالي فيه الحلاج في فكرة الفناء ، حتى زعم انه يتحد عند النشوة بالذات الإلهية ويغدو معها ذاتا واحدة مما حمله على القول : « أنا الحق والحق أنا » وهو ما عرف بالشطحات الصوفية . وقد أثارت مواقف الحلاج استنكار الناس فقبض عليه وقتل . ثم جاء الغزالي وحاول ان يحرر التصوف من مثل هذا الغلو ويربط أصوله بالشرع ويحببه الى قلوب الناس . 

 التشابه والاختلاف بين الصوفية والسلف


وعن أوجه التشابه والاختلاف بين الجماعات الصوفية والجماعات السلفية ذكر زيدان في دراسة آخري له بعنوان المؤتلف والمختلف بين الفرق الصوفية والجماعات العقائدية أن الطرق الصوفية، سلفيةُ الجوهر، فكل طريقة تعود بأصولها إلى واحد من السلف الصالح هو "الإمام علىّ بن أبي طالب" الذى تلقَّى مباشرة من نبى الإسلام الذى قال فى حقه: مَنْ كنتُ مولاه، فعلىٌّ (ابن أبى طالب) مولاه.

بينما تؤكد الجماعات السلفية على اختلافها، أنها تقتدى بالسلف الصالح عموماً من دون تخصيص.

ويضيف زيدان أنه تجمع بين المتصوفة والسلفية، دائرة إسلامية واسعة هى (أهل السنة والجماعة إذ إن جميع مشايخ الصوفية المبكرين والمتأخرين، ينتظمون فى إطار السُّنة وهو الموقف العقائدى الذى تطوَّرت عنه فيما بعد الجماعاتُ السلفية.

كما يشترك المتصوفة مع السلفيين فى رفضهم للفرق الكلامية، خصوصاً المعتزلة، غير أن المتصوفة اقتداءً بمشايخهم الكبار لا يخوضون كثيراً فى الرد على هؤلاء المتكلِّمين بينما يهتم السلفيون بذلك، ويخصِّصون له الرسائل والكتب الكبار.

ويجمع بين الطرق الصوفية والجماعات السلفية أمورٌ أخرى، علاوة على ما سبق، منها ما يمكن إجماله فى النقاط التالية:

- يرتبط المتصوِّف بإمامٍ روحىٍّ مباشر "رابطة الشيخ والمريد" بينما يلتزم السلفىُّ بإمامٍ شرعىٍّ تسمِّيه بعض الجماعات "أمير الجماعة."

- يتخذ المتصوفة والسلفيون، كلاهما، من الموروث القديم منبعاً لاستلهام الخبرة الدينية، فيتأسَّى كلٌّ منهما بالسابقين من المشايخ (الصوفية، المجتهدين) كنبراسٍ ينير الطريق الروحى المسمَّى فى التصوف بالمجاهدة، وعند السلفيين الجهاد..

ومما يجمع بين المتصوفة والسلفيين، المعاصرين، هذا النـزوع للاستعلان الجماعى والظهور الاجتماعى، حيث يسعى المتصوِّفة (لا الصوفية) مثلما يسعى السلفيون، للاستعلان الجماعى المؤكد لحضور كل فريق منهما، وهو ما يفعله المتصوِّفة فى «الموالد» السنوية للأولياء، ويفعله السلفيون فى التظاهرات الاجتماعية كالأفراح والمآتم.

غير أن حالة الظهور والاستعلان (المحدود) للمتصوفة، جعلت الفريقين يختصمان.

فقد رأى السلفيون أن المتصوِّفة حين يحتفون بالموالد ويتحلَّقون حول قبور الأولياء، إنما يمارسون نوعاً من (الوثنية القديمة) أو بحسب التعبير السلفى المشهور: الشرك بالله..

بينما يسخر المتصوِّفة من قصور نظرة السلفيين للأمر، مؤكدين أن الحفاوة بالأولياء السابقين، هو من قبيل التبرُّك بهؤلاء الذين كانوا علامات الطريق إلى الله.

وهو ما يعود السلفيون بدورهم إلى إنكاره، مستخدمين المفهوم القرآنى الناعى على المشركين، أنهم كانوا يتعبَّدون للأصنام لأنها (تقرِّبنا إلى الله زُلْفَى) فيجد المتصوفة أن هذا الجدل وصل إلى حَدِّ السخف، فيمتنعون عن الرد.. ويفترق الفريقان عند تلك النقطة، ولا يلتقيان من بعدها.

كما يفترق المتصوِّفة عن السلفيين فى نقطة أخرى، مهمة، هى ما يعرف فى المصطلح الصوفى باسم "الظاهر والباطن" حيث يرى المتصوفة أن السلفيين وأمثالهم، هم أهل الظاهر والمظاهر القشرية الحاجبة عن حقائق التجربة الدينية الحقة، بينما يعد السلفيون هذا الكلام، من قبيل اللغو الذى لا طائل تحته، محتجِّين بأن نبى الإسلام تركنا على" المحجَّة البيضاء" ظاهراً وباطناً، وليس هناك ما يمكن أن يسمَّى بعلوم الباطن..

فيستخفُّ المتصوفة بكلام السلفيين، ويتعجَّبون من إنكارهم لدقائق الصلة الروحية مع الله.

ومعروفٌ أن المفاهيم الدينية إنما تتكوَّن فى أذهان الناس، على اختلاف مذاهبهم، عن طريق فَهْم النصوص والتأويل الخاص للمفردات.. وهو الأمر الذى يُسرف فيه المتصوفة الذين يرون أن معانى القرآن تتفتح فى قلب قارئه، وفقاً للقاعدة الصوفية القائلة "اقرأ القرآن كأنه نزل فى شأنك أنت"

بينما يرفض معظم السلفيين تأويل آى القرآن، ويؤكدون أن هذا التأويل هو بابٌ يفسح المجال لغُلوِّ (الغُلاة) الذين سرعان ما يمرقون من الدين كله

ويحتجُّ المتصوِّفة على السلفيين ببعض الحجج التى لا تجد عند السلفيين رداً عليها، كاعتقاد المتصوفة بالكرامات وإمكان تصرُّف الأولياء فى الكون، وفقاً للحديث القدسى: «ما يزال عبدى يتقرب إلىَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذى يسمع به…»! وهو الأصل الذى توقف عنده الإمام السلفى الكبير (ابن تيمية) ووصفه بأنه: أصحُّ الأحاديث التى يستدل بها أهل الولاية عليها.. يقصد على صحة القول بولاية الأولياء .

ويذكر أن أبو حنيفة النعمان صاحب أحد المذاهب الفقهية الأربعة هو أيضاً صاحب طريقة في التصوف، فقد قال علي الدقاق: أنا أخذت هذه الطريقة من أبي القاسم النصر أباذي وقال أبو القاسم: أنا أخذتها من الشلبي، وهو من السري السقطي، وهو من معروف الكرخي، وهو من داوود الطائي، وهو أخذ العلم والطريقة من أبي حنيفة رضي الله عنه، وكل منهم أثنى عليه وأقر بفضله.

كما قال الإمام مالك بن أنس " من تفقه ولم يتصوف فقد تفسق، ومن تصوف ولم يتفقه فقد تزندق، ومن جمع بينهما فقد تحقق”، بينما قال الشافعى عن التصوف " حبب إليّ من دنياكم ثلاث: ترك التكلف، وعشرة الخلق بالتلطف، والاقتداء بطريق أهل التصوف"

وأيضاً روى عن الإمام أحمد بن حنبل أنه قبل مصاحبته للصوفية كان يقول لولده عبد الله: يا ولدي عليك بالحديث، وإِياك ومجالسة هؤلاء الذين سموا أنفسهم صوفية، فإِنهم ربما كان أحدهم جاهلاً بأحكام دينه. فلمَّا صحب أبا حمزة البغدادي الصوفي، وعرف أحوال القوم، أصبح يقول لولده: يا ولدي عليك بمجالسة هؤلاء القوم، فِإِنهم زادوا علينا بكثرة العلم والمراقبة والخشية والزهد وعلو الهمة

الثلاثاء، 2 أبريل 2013

حين نظرت إلي مريم



يقولون أن الإنسان في أي وقت ممكن أن يمر بموقف يغير له حياته، صدفة لم يكن يتوقعها قد تكون كفيلة بأن ت

صدمه في نفسه وفي العالم من حوله، وتجعله يغير من أفكاره وعاداته ومبادئه أحياناً.

أعتقد أنني مررت بتلك الصدفة حين نظرت إلى مريم…

رأيت مريم مراراً في حياتي، رأيتها في وجوه الكثير من أطفال الشوارع، ولكني كنت آراها في عالمي .. كنت آراها أحياناً واقفة على رصيف المدينة النظيف، وأحياناً آخري أراها بجوار البحر أو في أي مكان يبدو نظيفاً وجميلاً .. ولا يعكر صفوه وجماله إلا شيء واحد… وجود مريم أو أحد أشباها فيه.

وكان رد فعلي تجاهها يتفاوت، فأحياناً التذمر من انتشار مريم وأشباهها بهذا الشكل، ليشوهوا جمال مدينتى المحببة، وأحياناً أخرى كنت أشفق عليها واتعاطف معها لكن دون أن اتخذ أى فعل تجاهها.

كنت أشعر دائماً أن ثًمة مسؤول عن انتشار مريم وأشباهها بهذا الشكل، لكنى كنت أمرر صورتها من رأسي دون أن أجهدها فى التفكير عن من المسؤول عن وجود مريم على الرصيف، وليس داخل فصلٍ في مدرسة، أو ملعبٍ في نادٍ، أو على أقل تقدير داخل غرفة فى منزل تحتمي به.

تلك المرة لم أنظر إلى مريم في عالمي، نظرت إليها فى عالمها هي، رأيتها في عشة صفيح يوجد بها أكثر من عشرون طفل على شاكلة مريم.

ولأول مرة يدفعنى فضولى أن اتجه إليها لأسئلها عن عائلتها، فقالت لى أنها لا تعرف لها عائلة!!

مريم الصغيرة الجميلة المُهملة، التي لم تتجاوز الخمس سنوات، عرفت بعد ذلك أنها ابنة لأم من أشباه مريم… فأمها أيضاً طفلة لم تتجاوز الـ18 عام هربت من أهلها وهى صغيرة ولم تجد لها مآوي سوى الشارع، فعاشت فيه وتحملت قوانينه، وبعد عامٍ أو أكثر قليلاً من هروبها أصبحت أماً لمريم..

وبعد أقل من عامين رحلت هذه الأم الصغيرة عن طفلتها ولم تعد، وبقيت مريم مع باقي رفاقها وأشباهها من المجهولين المُهملين.

ياااه لقسوة مجتمع أهًمل أفراده فحولهم من مواطنين كرماء، إلي أطفال تسكن الشوارع، واستزاد في إهمالهم حتى تحولوا لعائلات شوارع، أجيال جديدة تولد وتعيش في الشارع ونحن لا نشعر بها، نتعامل معهم كل يوم ونمر بهم دون أن نسأل أنفسنا عن الجهة التى يتوجهون إليها بعد أن يفارقونا.

حين نظرت إلي مريم تلك المرة، وجدت إجابة للسؤال الذى طالما خطر بذهنى، وطالما كنت أهرب من أن أجد له إجابة، وجدت في عيون مريم نظرة لوم ألقتها علىّ وعلى كل شخص يمر عليها كل يوم وينظر لها بل ويقسو عليها أحياناً.

القت مريم باللوم علينا لأننا أصبحنا نتعامل معها على أنه من المعتاد أن نراها هكذا على الرصيف، قد تكون مريم الصغيرة لا تعرف معني كلمة مدرسة أو منزل، ولكن فطرتها الطفوليه تأبي هذا الوضع، وتؤكد لها أنه ليس بالشيء الطبيعى أن يمر عليها الناس ويجدونها في الشارع قد افترشت الرصيف واتخذت منه مسكناً.

ذكر التقرير الذي أصدرته منظمة اليونسيف عام 2007 أن مصر بها 6 مليون طفل يعيشون في الشارع بلا منزل، بعد مرور أربع سنوات قد يكون هذا العدد ازداد، لكن من المؤكد أنه لن يكون نقص.

6 مليون شخص أو أكثر يعيشون في الشارع، بعضهم لم يعودوا أطفال، وبعضٍ آخر منهم أصبحوا آباء وأمهات لأطفال يعيشون فى الشارع هم الآخرين.

أفكر كيف مرت عليهم أيام الثورة والانفلات الأمني وحالة الرعب التي عشناها، أفكر كيف تمر عليهم أيام الشتاء حين تًغرق المدينة بالأمطار، افكر وافكر وافكر ..

بعد أن نظرت إلي مريم أصبحت أفكر فيهم كثيراً..
التحدي الأكبر لمجتعنا الآن ليس فى الحرية ولا الديمقراطية ولا كل النظم التي يدعو إليها المرفهون من السياسيين، الذين كانوا ينظرون إلي مريم ويتعاملون معها مثلما كنت افعل أنا، التحدي الأكبر لهذا المجتمع الآن أن يرد إليه مواطنيه ويُعيد إليهم إنسانيتهم، بأى نظام وتحت أى مسمى سواء كان ديمقراطي أو إسلامي أو ليبرالي أو علمانى أو بتنجاني. ردوا إلي هذا المجتمع أفراده، وردوا لأطفاله طفولتهم، ثم اختاروا له بعد ذلك الاسم الذي يحلو لكم.

----------

ســـيــــن

23\8\2011