الصفحات

الثلاثاء، 17 أبريل 2012

نتفاهم




منذ بضعة عقود قرر الأديب أحمد لطفي السيد خوض الانتخابات التشريعية، وكان رجلاً ديمقراطياً يتحدث دائماً عن الديمقراطية في حواراته مع المواطنين البسطاء، فاستغل خصومه تلك النقطة وروجوا أن الديمقراطية تعني الفحشاء وسوء الأخلاق، فلما سأله الناس هل أنت ديمقراطي؟ أجاب بالإيجاب، فخسر الانتخابات بسبب ديمقراطيته.

تلك القصة قرأتها في مقدمة لقاموس يعرف باختصار بعض المصطلحات السياسية المستخدمة حديثاً، وتلك المصيبة المتمثلة في أن كل منا يتحدث بكونه العارف بجميع أمور الخلق والخلائق، دون أن يمتد بصره وعقله لمعرفة ما يدور في عقل من يحاوره تذكرني بنكتة تقول أن شخص أصم يقول لآخر أطرش أن في واحد أصلع بيشد في شعره.

و أكاد أجزم أن 90% من مشاكل الحياة تبدأ حين يختلف ما أقصده أن عن ما تفهمه أنت.
مشاكل النظام الفاسد الذي عشنا فيه وعانينا منه لم تنحصر في المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية فقط، بل امتد الأمر ليشمل كل جوانب حياتنا بما فيها أفكارنا وتعليمنا وطريقة اختلافنا، ذلك النظام الذي استمات في محاولاته لطمس هوية الدولة وطمس معها كل هدف ومبدأ ووطنية نقف عليها جميعاً ونتحاور من منطلقها وننتهي إليها.

فبدا عندنا أنواع مختلفة من التعليم، وتمايزت داخل المجتمع ثقافات الجهل والتعصب وتفاوتت شدتها وتبدلت ملامح وملابس من تعيش فيهم تلك الثقافات، فمرة تجدها في زى مثقف، ومرة آخري تتجلى لكَ من خلف عباءة رجل دين، ومرة آخري تشع من عيني شخص أفني حياته في البحث والتعلم وبلغ من العلم مبلغه.

ليست كل المصطلحات والنصوص لها معني واحد ولها فهم واحد، ولكن ستختفي من حياتنا خلافات كثيرة إذا تركنا أموراً للباحثين والمتخصصين فيها وأعرضنا عن الجاهلين الذين لا يخشون المجاهرة بجهلهم وما أكثرهم الآن.

فقبل أن اتهم من يدعون للعلمانية بالكفر علي أن أتساءل  أي منهج من العلمانية يقصدون وبنظرة سريعة على كتب ودراسات الدكتور أمين الخولي ستجد العديد من المحاور التي تتشابه فيها العلمانية بالإسلام، فالمنهجين وإن تضادا في أمور إلا أنهما اتفقا على أمور آخري، وكذلك قبل أن اتهم الأصوليين بالرجعية والتخلف أوجه نظري قليلاً لمناهجهم وفكرهم وستجد روائع حقيقة في كتب ابن القيم وابن تيمية الذين يستشهدان بهما الأصوليين في كثير من مواقفهما، حتي وإن تعارض بعض ما في هذه الكتب مع الحاضر، إلا أن بعضٍ كثيراً سنجده ينظم الحاضر ويترك لأهله مجالاً كبيراً للاجتهاد.

خلاصة القول أن يكون نقدي للمنهج وللفكر نابع من قراءاتي وتفكيري ودراستي أنا، قبل أن أسلم رأسي لمثقف يعبث بها أو لرجل دين يمحو ما فيها من فهم وتسامح، وقبل ذلك علينا جميعاً على اختلاف توجهاتنا أن نتفق على خطوط عريضة للمضامين والمصطلحات حتي تنطلق حوارتنا المجتمعية من فهم واحد، لأنه بات حلم من أحلامي لهذا الوطن أن آري فيه حوار مجتمعي وليس خناق مجتمعي، فلا نضيع الكثير من الوقت في أسس وأصول عمل نظام فاسد على طمسها وتجهيل الناس بها، ولا نبذل مجهوداً في خلافات شكلية حول المصطلحات والمفاهيم وبداخلي أنا وأنت هدف واحد ولكن يختلف كلانا في التعبير عنه. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق