الصفحات

الثلاثاء، 13 يناير 2015

كل يوم كتابة (4): عن الخسارات



الخسارات تحررنا

تواجهنا بأنفسنا عراه في المرآه

هذه الأشياء التي كنتم تتجملون بها راحت

تخلت عنكم وذهبت بعيد

أشياؤكم التي كانت ملكًا لكم يومًا

ذهبت إلي غيركم

هكذا.. اقبلوا الأمر بكل بساطة

وإن لم تقبلوه

بحار العالم ومحيطاته كثيرة

اشربوا منها

وإن لم تكونوا بالقرب من بحار أو محيطات

حوائط العالم أكثر

أخبطوا رؤسكم فيها

يمكن تفيقوا

تتخلصوا من أوهامكم عن الأحلام الجميلة

عن العالم الذي تخيلتم يومًا أنكوا استطعتوا السيطرة عليه

انظروا إلي أنفسكم عراه في المرآة

اقتربوا أكثر منها

لتروا الجروح والخدوش التي تملأ أجسادكم جلية

ليتضح شحوب الوجه وبهوت العينين

ثم اسألوا السؤال الصعب..

هل كانت الأشياء التي وهمتك أنها ملكك تستحق كل هذا؟

ربما تدرك حينها إلي أي مدي أضعت عمرك في دائرة استنزاف

ربما تتوقف حينها عن الحزن على خسارة الأشياء التي امتلكت

ربما يتجلي أمامك وجهك الطفولي الحقيقي الذي تركته هناك في منزل أمك القديم

تشعر كم تفتقده

حينها فقط يمكنك تدرك خسارتك الحقيقة

الأشياء التي تخليت عنها لصالح أوهام خبيثة

سرقت من أيامك وفرحك وسعادتك

بدلت ملامحك البريئة بملامح قاسية لم تعرفها يومًا ولم تحبها

حينها فقط تدرك أن خسارة كانت بداخلك طول الوقت الذي ظننت أنك تربح فيه

وأنك كنت بحاجة إلي دقيقة صمت واحدة مع نفسك

يصمت فيها الصخب بداخلك.. لتسمع صوت خسارتك بوضوح.

السبت، 10 يناير 2015

كل يوم كتابة (٣): لماذا تتخلي عنك الأشياء دفعة واحدة

لماذا تتخلي عنك الأشياء دفعة واحدة؟
أحاول التماسك للكتابة، أحاول تخطي خيبات عدة، حياتي امتلأت بفراغ مفاجيء لا احبه ولم احسب له حساب يوما.
لماذا تتخلي عنك الأشياء دفعة واحدة، لماذا يهاجمك الفراغ في وقت كنت نخطط لخ أن يكون مشغولا للغاية، تتخلي عني الأشياء أم اتخلي أنا عنها؟
أصبحت أميل للعزلة، العزلة أسلم.
احاول المواظبة على الكتابة، اتشبث بالقراءة، لا شيء يعجبي.. بداخلي شعور قوي بالضجر والتمرد من كل شيء.
انعزل، تناديني الأشياء من خارج عزلتي، اهم بالخروج، حدسي يخبرني أن الأمور بالخارج اسوأ كثيرا مما أظن، استجب له، اعود للانعزال كما لم انعزل من قبل.
وماذا بعد العزلة، كل الأشياء صارت غريبة عني، واتنسيت وسط زحام الحياة وصخبها، هذا لا يرضيني، ولا يرضيني أيضا أن يضعني الناس في بؤرة اهتمامهم، انسوني بمقدار وتذكروني بمقدار، يبقي للحضور معني!
هذه حياة لا ترضيني، اتسائل أي نمط من الحياة سأكون راضية عنه، تأتي الإجابة من أعماقي أن فكرة الحياة في حد ذاتها باتت غير مرضية لي.

أيام اتركها تمر، وفي قرارة نفسي اعلم أني ربما سأندم عليها يوما ما، واتمني عودتها لألونها بحياة افتقدها الآن.

الجمعة، 9 يناير 2015

كل يوم كتابة (٢): مواسم التضامن الإجباري.. أنت معانا ولا مع الناس التانيين؟

"أنت معانا ولا مع الناس التانيين؟
أنا معاكو
احنا بقي الناس التانيين"
مزحة متداولة اتذكرها كلما وجدت نفسي ادفع دفعا دون تفكير إلي التضامن مع شيء أو جماعة ورفض موقف جماعة آخري، دون فرصة لالتقاط الأنفاس والتفكير، مثلما حدث تماما عقب الهجوم على المجلة الفرنسية شارلي ايبدو.
لا أعرف المجلة ولا اقرأها ولا أقرأ الفرنسية اصلا، استيقظت ذات صباح على خبر هجوم مسلحين على جريدة وتصفية ١١ من هيئة تحريرها بالكلاشينكوف خلال اجتماعهم الأسبوعي، فضلا عن حارس الجريدة الذي التقطت عدسة من إحدي الشبابيك المجاورة للجريدة جريمة قتله.
هجوم مسلح على صحيفة، تصفية جسدية لأعضائها، ماذا فعلوا حتي يلاقوا هذا المصير؟!
تسائلت للفهم فقط وليس للتبرير، لكن في بلد يصم آذانه في مثل هذه المواقف ويمضي مع الجنون في أي اتجاه كان التوقف لحظة للتساؤل يعني أنك مع الناس التانيين!
سنكسب الكثير من صحتنا لو لم نضيع وقتا كبيرا في التناقش حول البديهيات، ربما لو اتفقنا من البدابة علي ماهية البديهيات؟
البديهات بالنسبة لي أنه لا شيء يبرر الهجوم المسلح على أشخاص مسالمون لا يملكون ما يدافعوا به عن أنفسهم مهما فعلوا، وبالطبع تضمن جملة مهما فعلوا عندي "كونهم صحفيون ساخرون يرسمون رسوم بذيئة تطال الأديان والأنبياء".
في وضع طبيعي لن أكون بحاجة لأن أقول أن محاربة الفكر بالرصاص معركة خاسرة دائما للرصاص، فدائما ما أشبه تلك المعركة بالطلقة التي تصوب نحو خزان مياه، لن تفعل شيء سوي أنها ستدفع المياه لإغراق كل شيء وبلل كل شخص بعدما كانت محصورة داخل الخزان، لو لم يهاجم المتشددون صحيفة شارلى ايبدو ربما لم أكن سأسمع عنها إلا لو سافرت فرنسا.
لكن هكذا الغباء، تظن أنك تقتل الفكرة بالرصاص في الوقت الذي تمنحها فيه رصاصتك قبلة الحياة.

هذا الشيء البديهي بالنسبة إلي، استيقظت يوما وجدته مثار لخلاف بين أبناء الوطن الواحد، حمقي لازالوا يتحدثون عن أن قتلهم حلال، طالما استحلوا لنفسهم السخرية والإساءة إلي الأديان، حمقي آخرون أبدوا التضامن مع حرية الرأي ككل لكن في داخلهم يرون ضحايا هذا الهجوم تحديدا على حرية الرأي يستحقون ما حصلوا عليه، وهناك من أعلن تضامن أعمي مع المجلة ورفع منذ اللحظة الأولي شعار "أنا شارلي" بكل اللغات.

لحظة لالتقاط الأنفاس..
مشاريع الدواعش التي أيدت الهجوم وبررته لن يدركوا خطورة تضامنهم مع القاتل قبل أن يذوقوا من رصاصه، وللاسف حينها لن يكونوا وحدهم، جميعنا في مركب واحد "بلد واحد".
"أنا مش شارلي ومش عايزة ابقي شارلي ومش عايزة حد يقتل شارلي" جملة كتبتها الكاتبة هالة جلال لخصت بها مناهدة ساعات مع من يؤيدون قتل الصحفيين، ومن يتبنون موقفهم لإعلان تضامنهم مع حرية الرأي.

أنا مش شارلي ومش عايزة ابقي شارلي
هناك فرق كبير بين السخرية من الأشياء وبين كوني عنصري أمارس التمييز ضد المختلفين معي، لم تعجبني أي من كاريكاتيرات الجريدة، رأيت فيها عنصرية فجة وتطاول لمجرد الاستفزاز دون رسالة أو فكرة واضحة يحاول الصحفييون توصيلها من خلال كاريكاتيورتهم، لو تعرفت على الصحيفة في وقت عادي كنت سأنتقد ممارستها ورسومتها، لا أؤيد العنصرية بأي شكل، لكن في لحظات الجنون البعض ممكن يقف في صف العنصرية عشان ليؤكد أنه ليس في صف القتلة.

مش عايزة حد يقتل شارلي
بالتأكيد رفضي للعنصرية ليس أكثر من رفضي للقتل، أرفض كلاهما لأنهم من رحم واحد الجهل والتعصب.
تقارير صحفية تتحدث عن أن أرقام توزيع العدد الأخير من الصحيفة تجاوز المليون.
رسام دنماركي أعلن أنه سيسخر من الإسلام في رسم كل يوم عام لمدة سنة
ملايين الأشخاص حول العالم بحثوا عن صور الجريدة، ربما أعجبوا بها أو تضامنوا معها
مساجد تم الهجوم عليها في فرنسا، وملايين المسلمين في أوربا سيعاملون بتمييز واضح لكونهم مسلمين ويدفعون الثمن عن جريمة ربما يكونوا رافضين لها من الأساس
آلاف الشباب المسلمين في مختلف أنحاء العالم ستضيق عليهم فرص السفر وسيعاملون معاملة سيئة في المطارات، بعضهم سيضجر بكل هذا وينضم لتيارات دينية متشددة ومسلحة ظنا منه أن في مزيد من القتل الخلاص.
إذن القتل ليس خلاص، وهم يعرفون أن ممارستهم العنصرية ستؤدي إلي مزيد من القتل، ومع ذلك لا يتوقفون عنها، لا أجد في أي من الطرفين من يستحق أن ادفع لتضامن إجباري معه، لا أوافق علي ممارسات القتلة ولا على ممارسات العنصرية، ولا أؤيد بالتأكيد أي من الفعلين، أحيانا كل ما أطلبه أن اتوقف لحظة لالتقاط الأنفاس ومحاولة فهم ما يجري، لأستطيع اختيار الصف الذي سأقف فيه بوضوح، أو أن يحترم قراري برفض كلا من الصفين.

مقالات مفيدة لفهم اكثر..
١- هجوم شارلي ايبدو.. ماذا حدث؟
٢-التضامن الأبله
٣- ليه أنا مش شارلي؟

الخميس، 8 يناير 2015

كل يوم كتابة (١): لو كتبنا يا حبيبي نبتدي منين الكتابة؟

في الأصل الكتابة موهبة اختص الله بها بعض البشر، ابتلاهم بها بالأدق، ليعيشوا بعد ذلك وكل شيء يمر أمام أعينهم مثل الجمل التي يكتبونها، ويتحول كل البشر في حياتهم إلي مشاريع كتابة محتملة.
حالتهم النفسية تخضع لمزاجهم المتقلب دائما، لا روتين ثابت عندهم لشيء، كل الأمور لديهم خاضعة لأفكارهم المتلاحقة غير المنتظمة، قد يستيقظون في نصف الليل لأن فكرة جاءتهم الآن ويريدون كتابتها، ينفصلون في شاشات هواتفهم النقالة عن جلسة أصدقاء حميمية لأن خاطرة ما خطرت على بالهم الآن ويريدون تدوينها، ستضيع منهم لو انتظروا قليلا حتي تنتهي الجلسة، وبالطبع لن يتذكروها لو استمروا في النوم واجلوا كتابتها للصباح.
البعض ممن احترفوا الكتابة استطاعوا أن يضعوا لأنفسهم طقوس يومية، ساعات محددة في اليوم للكتابة فقط، استطاعوا منى خلال ذلك النظام أن ينجزوا مشاريعهم الكتابية، وأن ينتهوا من مقالاتهم في مواعيد تسليمها، وضعوا تلك الساعات كقاعدة، لكن العشوائيين من أمثالي يؤمنون أن القاعدة الرئيسية للكتابة أنه لا قاعدة للكتابة.
فالكتابة المنتظمة مزعجة للغاية، ومهما كان وقت التسليم كافيا فعادة لا اكتب إلا قبل انتهاءه بوقت قليل يجعلني بالكاد انتهي وأنا أشعر أن كل شيء ينهار فوق رأسي، أحيانا لا أجد وقتا كافيا لمراجعة ما كتبته، ولا وقت كافي لإجراء تعديلات آراها ضرورية.
ينتهي الزمان في الوقت الذي أضع فيه "نقطة" عقب آخر كلمة في موضوع، اسلم الموضوع وابدأ في لوم نفسي!
لماذا انتظرت كل هذا الوقت، فيما أضعته؟،  هل نسيت الكتابة عن أحد عناصر الموضوع، هل أنا راضية عنه، هل ستجري الصحيفة عليه تعديلات، ماذا لو لم تعجبني، هل اتشاجر معهم أم امرر الموضوع لأنني السبب في التأخير، حرب من الأسئلة تندلع بداخلي لا تنتهي إلا حين ينشر الموضوع، وبالرغم من ذلك نادرا ما تجري تعديلات جوهرية على مواضيعي؟!
هل تغيير تلك الحرب الصغيرة من عاداتي في المرة التالية التي اكتب فيها؟؟ إطلاقا!!
الكسل سيدي

تخضع كتابتي لحالتي المزاجية المتقلبة باستمرار، ورغم أني اعمل على مواضيع في السابق كنت شغوفة بها، إلا أن أحداث عديدة مررت بها نزعت من داخلي شعور الشغف تجاه أي شيء.
الكتابة هي الطريق الذي اخترته واختارني، أحبها وأشعر أنها تحبني، لكن أحيانا اقف عاجزة لا اعرف من أين ابدأ؟
الأحداث التي عشتها كثيرة، عامة وخاصة، تجارب منها ما انتهي ومنها ما أعيش فيه إلي الآن، تتدافع الأفكار داخل رأسي ثم أشعر بها تنحشر عند أصابعي التي تكتب، فارتبك، ابكي واكتب أني عاجزة عن الكتابة ج، وينتهي اليوم.
أعيد المحاولة في اليوم التالي، أصل إلي نفس الحالة في وقت أقصر، أصرف نظر عن فكرة الكتابة ككل وانصرف إلي عملي، متناسية أني أعمل صحفية، في وسيلة إعلام مكتوبة، وعملي الكتابة أيضا.

لماذا العلاقة بيننا مرتبكة وصعب إلي هذه الدرجة، هل للموهبة دخل بذلك؟
لماذا لست من هذا النوع الذي تأتي في باله فكرة فيكتبها الآن، تطاوعه اللغة، وتمكنه الأوراق، وتخرج أفكاره بسلاسة وثقة واضحة جلية عبر كلمات توضح تحديدا ما يدور داخل رأسه؟
هل عاني كل الكتاب من فترة كتلك في حياتهم أم أن المشكلة لدي أنا فقظ؟
أحاول أن أضع نفسي في تحد جديد، كل يوم كتابة عن أي شيء،تحت أي ظرف وبأي مزاج!
محاولات صادقة للكتابة عن الذات والخبرات، الغربة والثورة، الأماكن والبشر في حياتنا، الأشياء والعالم من حولنا، محاولات صادقة لحفظ ذاكرة هشة يأكلها النسيان.. ربما تجدي، وربما تنضم إلي سابقتها من محاولات الكتابة الفاشلة. 

الاثنين، 17 نوفمبر 2014

رسالة خائفة

إذا تجرأت يوما وأرسلت إليك رسالتي سأخبر عن عدد المرات التي كتبتها ومحوتها قبل أن تصل يدي إلي زر "إرسال".

اتسائل كيف وصلت إلي هذه القناعة التامة بعدم جدوي الحديث معك؟ كيف بعد أن كنت اتلهف لمحادثتك، وانتقي أفضل الكلمات ﻷتحاور معك، اتبادل معك الحديث حول كل شيئ الحياة والسياسية والثقافة والفن والكتابة وعني!

ربما استطيع الآن أن احدثك عن كل شئ باستثناء الجزء الخاص بالحديث عني!

استطيع أن أذكر لك عدد المرات التي لم تسمعني فيها... عدد المرات التي كنت اتمني أن أملك حق مهاتفتك في أي وقت من الليل والنهار، عدد المرات التي وقفت على شفتي فيها كلمة "احتاجك الآن.. الآن وليس بعد قليل.. احتاجك الآن وليس غدا"، ولم انطقها مرة خوفا ومرة حرصا على وقتك الثمين الذي كنت تضن علي ببعض منه، حتي وأنا في أشد حاجتي إليك.

ربما لن احتاج لتذكيرك كم مرة تركت عملى، أو خرجت من منزلي في المساء بعد كذبة صغيرة على أهلى، لاستمع إلي مشكلة مع زميل لك في العمل، أو الضيق الذي سببه لك جارك الذي حجز مكان صف سيارتك بقطع الحديد.. أنت بالتأكيد تذكر.. كنت تعتذر بعد كل عبث تفعله بي.. تعتذر عن عدم تقديرك لظروفي لكني اعلم انه في داخلك اعتذار عن خذالان وخيبة أملى الكبيرة بك.

سأحتاج أن أخبرك في الرسالة أيضا أني لازالت آراك جميلا زغم كل وقاحتك معي، ولازالت لا أري غيرك فى العالم رغم إحساس الإهانة الذي اجتاحني حين علمت انك كنت تضعنى في وضع مفاضلة مع امرأة آخري، وربما آخريات، تختار من بينهن من ستفوز بلقب "حبيبتك"!

صدقني لم يعد ذلك اللقب يعنيني.. يكفيني اعترافك أن معي راحتك.. يكفيني يقيني أنك ستكون في تعب طالما توسدت رأسك كتف غيري.. دعها تعبث بك وتعبث بها.. أنا أعلم أن أصل سعادتك وراحتك معي تماما كما أعلم أن أصل عذابي وتعبي كان معك!
ربما سأخبرك فى الرسالة أيضا عن كم الالم الذي يحتلني بعدما رحلت، عن فراغ الوقت من دونك وتوحش الأشياء!

احتاج أن استرد شجاعتي لأقدر على إيلامك.. ارسل إليك رسالتي فيخرج محتواها مني ويهدأ قلبي بعدما يتخلص من ثقل الكلمات التي يحملها إليك.

يوما ما سأقدر على وجعك.. يوما ما.

الجمعة، 26 سبتمبر 2014

رحيل


فى الرحيل فرصة للتنفس...
في الرحيل فرصة ثانية للبدء من جديد..
إنعاش لهذا القلب المثقل بحضورهم..
في الرحيل حياة..
لا يحب أن يحزن من يملك خيار الرحيل.. كل ما عليه أن يبتسم ويدير ظهره ويخرج من باب معاناته...
لا يجب أن يبكي من يملك فرصة للرحيل..
خلق البكاء للضعفاء والمغلوبين على أمرهم..
أما الأقوياء فبإمكانهم نفض غبار الخيبة عنهم والركض بعيداً نجو مكان آمن تلتئم فيه جراحهم العميقة..
في الرحيل حياة جديدة لا ينالها إلا من يقدر على دفع ثمنها..
من يستطيع ترويض إحساسه بالفقد
ويعقد معاهدات سلام مع وحدته..



ارحلوا 

ارحلوا عن البشر الذين تحبوهم ولا تجدون سبيلاً للتفاهم معهم..
ارحلوا عن الأماكن التي تنتمون إليها ولا تشعرون أنها تنتمي إليكم بنفس القدر..

فشعور الاشتياق أفضل من شعور الكراهية.. وذكريات قليلة جميلة خيراً من ذاكرة تملؤها ندوب الذكريات السيئة.. والحنين أرحم من الشعور بأنك صرت عبئاً على مكان ما أو أنه صار عبئاً عليك..


قلبُ منهك بالفقد خيراً من قلب تحتله الكراهية..
روح لازالت تائهة خيراً من روح ضلت الطريق، وأخذها كبرياءها إلي حيث لا تريد..

ارحلو حين تشعرون أن الحياة أصبحت لا تطاق.. وأن وجودك لا يغير كثيراً..
ارحلوا حين يكون في الرحيل حياة.. وفي البقاء موت.

عيون على الطرقات

أحب الكتابة ولا أجيدها
وأشعر أنها تحبني لكن لا تفهمني
تراوغني مثل أشياء كثيرة أحبها ولا أجد سبيلاً للتفاهم بيننا
تهرب مني حين أريدها
وأصرخ فيها حين تلح على
فيمضي الليل وكلانا حزين ووحيد
كغيمة في السماء نتمني أن تمطر لتتلاشي!


تطاردني في الطرقات عيون أشخاص ماتوا
قتلوا بالأدق
لا أعرف أي منهم
ربما التقت أعيينا في إحدي المرات التي سادها الجنون
وقام الناس لقتل بعضهم البعض دون أسباب واضحة
ربما تلك الأعين لإحدي ساكني التوابيت الكثيرة التي مرت أمامي في المشرحة
هل حقاً يبقي أثرهم داخل تلك الصناديق
التوابيت مثل الفنادق يقضي فيها الإنسان ليلته الأخيرة
قبل أن ينتقل إلي سكن دائم يخصه وحده
لا جيران مزعجون
لا إيجار كل شهر
لا فواتير لأي شئ
فقط يبقي مع الوردات التي تزين باب منزله –قبره-
والدعوات التي تأتي له بعيدة من العالم الآخر
أروع ما في الموت أنه فعل لا نقوم به مرتين
ولا تحتاج لتبريرات كثيرة لأن تفعله
ولا تلاحقك خلاله مكالمات أشخاص كثر يقولون أنهم خائفون عليك
لكنك تعرف أن الخوف ما هو إلا محاولات لفرض السيطرة
أروع ما في الموت أنه يكسر ملل الحياة وينهيها..


لازالت أعينهم تظهر لي على جوانب الطرقات كلما التفت يميناً أو يساراً..
تنير لي الطريق أحياناً وتخيفني أحيان أكثر
ربما لو سمح لنا القدر لالتقينا يوماً وتبادلنا الحديث والقهوة
ربما مارست معهم طقوسي المؤلمة في مشاهدتهم من بعيد
ترقبهم من بعيد..
أو حبهم من بعيد!
ربما كنا أصدقاء
أو تطورت صداقتنا لما هو أعمق من الصداقة
أو تلاشي وجودهم وانتهي مع الأيام
كجسدٍ أصابه مرض الجزام
وظل يأكل فيه إلي أن انتهي وواجه مصيره الحتمي «الحرق»!


ربما من بين تلك العيون عيني فتاي الذي طالما انتظرته
ربما إحداهم فتي صديقتي الذي رحل فجأة وترك لها جسد خاوي بعد أخذ روحها معه
الرجال دائماً يرحلون دون سابق إنذار
إما لأنهم قرروا أن يموتوا
أو لأنهم قرروا أن يقتلوا أرواحنا بداخلنا


ألم أقل أن الكتابة تراوغني
بدأت بالكتابة عنها
ثم سحبتني إلي سيرة الموتي
والعيون التي تطاردني على الطريق
والعلاقات التي يأكلها الجزام
والآن تجبرني على الخوض في سيرة من رحلوا!
وفروا هاربين بعد أن خنقوا الروح فينا!