"أنت معانا ولا مع الناس التانيين؟
أنا معاكو
احنا بقي الناس التانيين"
مزحة متداولة اتذكرها كلما وجدت نفسي ادفع دفعا دون تفكير إلي التضامن مع شيء أو جماعة ورفض موقف جماعة آخري، دون فرصة لالتقاط الأنفاس والتفكير، مثلما حدث تماما عقب الهجوم على المجلة الفرنسية شارلي ايبدو.
لا أعرف المجلة ولا اقرأها ولا أقرأ الفرنسية اصلا، استيقظت ذات صباح على خبر هجوم مسلحين على جريدة وتصفية ١١ من هيئة تحريرها بالكلاشينكوف خلال اجتماعهم الأسبوعي، فضلا عن حارس الجريدة الذي التقطت عدسة من إحدي الشبابيك المجاورة للجريدة جريمة قتله.
هجوم مسلح على صحيفة، تصفية جسدية لأعضائها، ماذا فعلوا حتي يلاقوا هذا المصير؟!
تسائلت للفهم فقط وليس للتبرير، لكن في بلد يصم آذانه في مثل هذه المواقف ويمضي مع الجنون في أي اتجاه كان التوقف لحظة للتساؤل يعني أنك مع الناس التانيين!
سنكسب الكثير من صحتنا لو لم نضيع وقتا كبيرا في التناقش حول البديهيات، ربما لو اتفقنا من البدابة علي ماهية البديهيات؟
البديهات بالنسبة لي أنه لا شيء يبرر الهجوم المسلح على أشخاص مسالمون لا يملكون ما يدافعوا به عن أنفسهم مهما فعلوا، وبالطبع تضمن جملة مهما فعلوا عندي "كونهم صحفيون ساخرون يرسمون رسوم بذيئة تطال الأديان والأنبياء".
في وضع طبيعي لن أكون بحاجة لأن أقول أن محاربة الفكر بالرصاص معركة خاسرة دائما للرصاص، فدائما ما أشبه تلك المعركة بالطلقة التي تصوب نحو خزان مياه، لن تفعل شيء سوي أنها ستدفع المياه لإغراق كل شيء وبلل كل شخص بعدما كانت محصورة داخل الخزان، لو لم يهاجم المتشددون صحيفة شارلى ايبدو ربما لم أكن سأسمع عنها إلا لو سافرت فرنسا.
لكن هكذا الغباء، تظن أنك تقتل الفكرة بالرصاص في الوقت الذي تمنحها فيه رصاصتك قبلة الحياة.
هذا الشيء البديهي بالنسبة إلي، استيقظت يوما وجدته مثار لخلاف بين أبناء الوطن الواحد، حمقي لازالوا يتحدثون عن أن قتلهم حلال، طالما استحلوا لنفسهم السخرية والإساءة إلي الأديان، حمقي آخرون أبدوا التضامن مع حرية الرأي ككل لكن في داخلهم يرون ضحايا هذا الهجوم تحديدا على حرية الرأي يستحقون ما حصلوا عليه، وهناك من أعلن تضامن أعمي مع المجلة ورفع منذ اللحظة الأولي شعار "أنا شارلي" بكل اللغات.
لحظة لالتقاط الأنفاس..
مشاريع الدواعش التي أيدت الهجوم وبررته لن يدركوا خطورة تضامنهم مع القاتل قبل أن يذوقوا من رصاصه، وللاسف حينها لن يكونوا وحدهم، جميعنا في مركب واحد "بلد واحد".
"أنا مش شارلي ومش عايزة ابقي شارلي ومش عايزة حد يقتل شارلي" جملة كتبتها الكاتبة هالة جلال لخصت بها مناهدة ساعات مع من يؤيدون قتل الصحفيين، ومن يتبنون موقفهم لإعلان تضامنهم مع حرية الرأي.
أنا مش شارلي ومش عايزة ابقي شارلي
هناك فرق كبير بين السخرية من الأشياء وبين كوني عنصري أمارس التمييز ضد المختلفين معي، لم تعجبني أي من كاريكاتيرات الجريدة، رأيت فيها عنصرية فجة وتطاول لمجرد الاستفزاز دون رسالة أو فكرة واضحة يحاول الصحفييون توصيلها من خلال كاريكاتيورتهم، لو تعرفت على الصحيفة في وقت عادي كنت سأنتقد ممارستها ورسومتها، لا أؤيد العنصرية بأي شكل، لكن في لحظات الجنون البعض ممكن يقف في صف العنصرية عشان ليؤكد أنه ليس في صف القتلة.
مش عايزة حد يقتل شارلي
بالتأكيد رفضي للعنصرية ليس أكثر من رفضي للقتل، أرفض كلاهما لأنهم من رحم واحد الجهل والتعصب.
تقارير صحفية تتحدث عن أن أرقام توزيع العدد الأخير من الصحيفة تجاوز المليون.
رسام دنماركي أعلن أنه سيسخر من الإسلام في رسم كل يوم عام لمدة سنة
ملايين الأشخاص حول العالم بحثوا عن صور الجريدة، ربما أعجبوا بها أو تضامنوا معها
مساجد تم الهجوم عليها في فرنسا، وملايين المسلمين في أوربا سيعاملون بتمييز واضح لكونهم مسلمين ويدفعون الثمن عن جريمة ربما يكونوا رافضين لها من الأساس
آلاف الشباب المسلمين في مختلف أنحاء العالم ستضيق عليهم فرص السفر وسيعاملون معاملة سيئة في المطارات، بعضهم سيضجر بكل هذا وينضم لتيارات دينية متشددة ومسلحة ظنا منه أن في مزيد من القتل الخلاص.
إذن القتل ليس خلاص، وهم يعرفون أن ممارستهم العنصرية ستؤدي إلي مزيد من القتل، ومع ذلك لا يتوقفون عنها، لا أجد في أي من الطرفين من يستحق أن ادفع لتضامن إجباري معه، لا أوافق علي ممارسات القتلة ولا على ممارسات العنصرية، ولا أؤيد بالتأكيد أي من الفعلين، أحيانا كل ما أطلبه أن اتوقف لحظة لالتقاط الأنفاس ومحاولة فهم ما يجري، لأستطيع اختيار الصف الذي سأقف فيه بوضوح، أو أن يحترم قراري برفض كلا من الصفين.
مقالات مفيدة لفهم اكثر..
١- هجوم شارلي ايبدو.. ماذا حدث؟
٢-التضامن الأبله
٣- ليه أنا مش شارلي؟