الصفحات

الجمعة، 26 سبتمبر 2014

رحيل


فى الرحيل فرصة للتنفس...
في الرحيل فرصة ثانية للبدء من جديد..
إنعاش لهذا القلب المثقل بحضورهم..
في الرحيل حياة..
لا يحب أن يحزن من يملك خيار الرحيل.. كل ما عليه أن يبتسم ويدير ظهره ويخرج من باب معاناته...
لا يجب أن يبكي من يملك فرصة للرحيل..
خلق البكاء للضعفاء والمغلوبين على أمرهم..
أما الأقوياء فبإمكانهم نفض غبار الخيبة عنهم والركض بعيداً نجو مكان آمن تلتئم فيه جراحهم العميقة..
في الرحيل حياة جديدة لا ينالها إلا من يقدر على دفع ثمنها..
من يستطيع ترويض إحساسه بالفقد
ويعقد معاهدات سلام مع وحدته..



ارحلوا 

ارحلوا عن البشر الذين تحبوهم ولا تجدون سبيلاً للتفاهم معهم..
ارحلوا عن الأماكن التي تنتمون إليها ولا تشعرون أنها تنتمي إليكم بنفس القدر..

فشعور الاشتياق أفضل من شعور الكراهية.. وذكريات قليلة جميلة خيراً من ذاكرة تملؤها ندوب الذكريات السيئة.. والحنين أرحم من الشعور بأنك صرت عبئاً على مكان ما أو أنه صار عبئاً عليك..


قلبُ منهك بالفقد خيراً من قلب تحتله الكراهية..
روح لازالت تائهة خيراً من روح ضلت الطريق، وأخذها كبرياءها إلي حيث لا تريد..

ارحلو حين تشعرون أن الحياة أصبحت لا تطاق.. وأن وجودك لا يغير كثيراً..
ارحلوا حين يكون في الرحيل حياة.. وفي البقاء موت.

عيون على الطرقات

أحب الكتابة ولا أجيدها
وأشعر أنها تحبني لكن لا تفهمني
تراوغني مثل أشياء كثيرة أحبها ولا أجد سبيلاً للتفاهم بيننا
تهرب مني حين أريدها
وأصرخ فيها حين تلح على
فيمضي الليل وكلانا حزين ووحيد
كغيمة في السماء نتمني أن تمطر لتتلاشي!


تطاردني في الطرقات عيون أشخاص ماتوا
قتلوا بالأدق
لا أعرف أي منهم
ربما التقت أعيينا في إحدي المرات التي سادها الجنون
وقام الناس لقتل بعضهم البعض دون أسباب واضحة
ربما تلك الأعين لإحدي ساكني التوابيت الكثيرة التي مرت أمامي في المشرحة
هل حقاً يبقي أثرهم داخل تلك الصناديق
التوابيت مثل الفنادق يقضي فيها الإنسان ليلته الأخيرة
قبل أن ينتقل إلي سكن دائم يخصه وحده
لا جيران مزعجون
لا إيجار كل شهر
لا فواتير لأي شئ
فقط يبقي مع الوردات التي تزين باب منزله –قبره-
والدعوات التي تأتي له بعيدة من العالم الآخر
أروع ما في الموت أنه فعل لا نقوم به مرتين
ولا تحتاج لتبريرات كثيرة لأن تفعله
ولا تلاحقك خلاله مكالمات أشخاص كثر يقولون أنهم خائفون عليك
لكنك تعرف أن الخوف ما هو إلا محاولات لفرض السيطرة
أروع ما في الموت أنه يكسر ملل الحياة وينهيها..


لازالت أعينهم تظهر لي على جوانب الطرقات كلما التفت يميناً أو يساراً..
تنير لي الطريق أحياناً وتخيفني أحيان أكثر
ربما لو سمح لنا القدر لالتقينا يوماً وتبادلنا الحديث والقهوة
ربما مارست معهم طقوسي المؤلمة في مشاهدتهم من بعيد
ترقبهم من بعيد..
أو حبهم من بعيد!
ربما كنا أصدقاء
أو تطورت صداقتنا لما هو أعمق من الصداقة
أو تلاشي وجودهم وانتهي مع الأيام
كجسدٍ أصابه مرض الجزام
وظل يأكل فيه إلي أن انتهي وواجه مصيره الحتمي «الحرق»!


ربما من بين تلك العيون عيني فتاي الذي طالما انتظرته
ربما إحداهم فتي صديقتي الذي رحل فجأة وترك لها جسد خاوي بعد أخذ روحها معه
الرجال دائماً يرحلون دون سابق إنذار
إما لأنهم قرروا أن يموتوا
أو لأنهم قرروا أن يقتلوا أرواحنا بداخلنا


ألم أقل أن الكتابة تراوغني
بدأت بالكتابة عنها
ثم سحبتني إلي سيرة الموتي
والعيون التي تطاردني على الطريق
والعلاقات التي يأكلها الجزام
والآن تجبرني على الخوض في سيرة من رحلوا!
وفروا هاربين بعد أن خنقوا الروح فينا!