سلمى خطاب
ابتهالات دينية يأتى صوتها من كل صوب.. أطفال يتقافزون فرحا.. من يصل إلى مراجيح المولد أولاً، ولم تخف الابتسامة من على وجهه أيضاً ولا الفرحة ببهجة المولد، على الرغم من أنه لا يمسك بيد أمه، ولا يركض ويمرح مع إخوته، بل على العكس هو من ينظم الدور فى اللعب، يحرك الألعاب ويدفعها لتعمل، يأخذ النقود من أيدى الأطفال وأمهاتهم ليضعها فى يد "أم عمرو" صاحبة الألعاب؛ ليحصل منها بعد ذلك على «يومية 5 جنيه».
نجيب محفوظ حين رأى طفلاً يبيع الحلوى فى إشارة مرور؛ بكى ثم كتب "وأحلام الأطفال فى قطعة حلوى، وهذا طفل يبيع حلمه"، فما حال طفل لم يتجاوز عمره الـ12 عاما، يعمل ليلعب رفقاؤه الصغار؟!
"هربت من أبويا فى الفيوم عشان كان بيضربنى" بهذه الكلمات بدأ الطفل أحمد عبد الله خميس الذى ترك منزل عائلته فى الفيوم منذ أشهر هرباً من ضرب أبيه المبرح، وخاصة بعدما صدمت سيارة أخاه الكبير وتوفى، وألقى الحمل على كتفه الصغير ليدبر الأمر فى إطعام أمه وأخواته الصغار.
ملابسه الرثة وقوامه النحيل وقامته القصيرة وانشغاله الدائم بتنظيم اللعب بين الأطفال، لم يمنع جميع من ينتظرون دوره فى اللعب من مداعبته والحديث معه، فيداعب هذا قائلاً "أنت كبير هزقك بـ2 جنيه"، ويطلب من آخر أن يلوح له وهو راحل أمام "أم عمرو" صاحبة المراجيح حتى تقتنع أنه قادر على إمتاع الأطفال فى اللعب وتدعه يعمل معها لفترة أطول، أو تزيد له من يوميته والبقشيش الذى يضعه فى يدها فور أن يحصل عليه لتحتفظ له به، على وعد أن تعيده له حين ينهى عمله.
"اشتغلت فى السياحة أول ما جيت من الفيوم كنت بصور السياح، وأول ما السياحة انضربت بقيت "ألقط" رزقى عشان أعرف أرجع أخلص أمى وأخواتى من أبويا اللى بيضربهم"، وذلك هو حلم أحمد الصغير؛ الذى يعمل طوال ساعات النهار، مقابل 5 جنيهات يومية وبطانية يفرشها على الرصيف لينام عليها ليلا.
نُشر على موقع جريدة الشروق بتاريخ 5 يونيو 2013.