الصفحات

الأربعاء، 5 يونيو 2013

فى مولد السيدة زينب: طفل يحلم بالبهجة وآخر يصنعها بحثا عن لقمة العيش



سلمى خطاب

ابتهالات دينية يأتى صوتها من كل صوب.. أطفال يتقافزون فرحا.. من يصل إلى مراجيح المولد أولاً، ولم تخف الابتسامة من على وجهه أيضاً ولا الفرحة ببهجة المولد، على الرغم من أنه لا يمسك بيد أمه، ولا يركض ويمرح مع إخوته، بل على العكس هو من ينظم الدور فى اللعب، يحرك الألعاب ويدفعها لتعمل، يأخذ النقود من أيدى الأطفال وأمهاتهم ليضعها فى يد "أم عمرو" صاحبة الألعاب؛ ليحصل منها بعد ذلك على «يومية 5 جنيه».

نجيب محفوظ حين رأى طفلاً يبيع الحلوى فى إشارة مرور؛ بكى ثم كتب "وأحلام الأطفال فى قطعة حلوى، وهذا طفل يبيع حلمه"، فما حال طفل لم يتجاوز عمره الـ12 عاما، يعمل ليلعب رفقاؤه الصغار؟!

"هربت من أبويا فى الفيوم عشان كان بيضربنى" بهذه الكلمات بدأ الطفل أحمد عبد الله خميس الذى ترك منزل عائلته فى الفيوم منذ أشهر هرباً من ضرب أبيه المبرح، وخاصة بعدما صدمت سيارة أخاه الكبير وتوفى، وألقى الحمل على كتفه الصغير ليدبر الأمر فى إطعام أمه وأخواته الصغار.

ملابسه الرثة وقوامه النحيل وقامته القصيرة وانشغاله الدائم بتنظيم اللعب بين الأطفال، لم يمنع جميع من ينتظرون دوره فى اللعب من مداعبته والحديث معه، فيداعب هذا قائلاً "أنت كبير هزقك بـ2 جنيه"، ويطلب من آخر أن يلوح له وهو راحل أمام "أم عمرو" صاحبة المراجيح حتى تقتنع أنه قادر على إمتاع الأطفال فى اللعب وتدعه يعمل معها لفترة أطول، أو تزيد له من يوميته والبقشيش الذى يضعه فى يدها فور أن يحصل عليه لتحتفظ له به، على وعد أن تعيده له حين ينهى عمله.

"اشتغلت فى السياحة أول ما جيت من الفيوم كنت بصور السياح، وأول ما السياحة انضربت بقيت "ألقط" رزقى عشان أعرف أرجع أخلص أمى وأخواتى من أبويا اللى بيضربهم"، وذلك هو حلم أحمد الصغير؛ الذى يعمل طوال ساعات النهار، مقابل 5 جنيهات يومية وبطانية يفرشها على الرصيف لينام عليها ليلا.




 

نُشر على موقع جريدة الشروق بتاريخ 5 يونيو 2013.

السبت، 1 يونيو 2013

«الدرب الأحمر».. حين تكون البيوت أهم من ساكنيها

الدرب الأحمر... تصوير محمود العراقي


سلمى خطاب

ربما كٌتب على أهالي تلك المنطقة أن يعيشوا على هامش الحياة، فبعد أن حملت «الدرب الأحمر» اسم أول حي شعبي شهدته القاهرة الفاطمية؛ سواء الأولى التي شيدها القائئد جوهر الصقلي أو الثانية التي وسعها أمير الجيوش بدر الجمالي.

فالمنطقة التي على مر تاريخها لم يسكنها سوي الصناع والحرفيين والتجار، لم تسلم هي الأخرى من التهميش والإهمال والعشوائية، التي تطول كل شيء شهد على تاريخ هذه البلاد.

ويروي الكاتب حمدي أبو خليل، في كتابه «القاهرة شوارع وحكايات»، أن القاهرة في العهد الفاطمي كانت أشبه بقصر فخم غامض يخفي خلف أسواره الخلفاء الفاطميين عن رعاياهم؛ وكان «الدرب الأحمر» أشبه بضاحية شعبية تعمل ليل نهار على خدمة المتخفي في القصر الجمهوري، فسكن الحي الوزراء والأمراء والخدم والجواري والصناع، وفيه الأسواق ودوره كانت مطبخًا للسياسية الفاطمية.

البيوت التي وصفها أبو خليل، بأنها كانت مطبخًا السياسية الفاطمية، تهدم بعضها الآن وتهالك البعض الآخر وطاله الإهمال والعشوائية، إلا أنها على الرغم من تهالكها، لازالت تحتفظ برونق الماضي الذي تملأ رائحة عبقه المنطقة كلها التي تمتد من نهاية شارع محمد على عند البواكي القديمة مرورًا بنهاية شارع سوق السلاح ثم المججر ومنطقة باب الوزير وعلى امتدادها الدراسة ليضم على أطرافه الجانب الأيمن من شارع الأزهر ثم يستدير عبر شارع بورسعيد ليستكمل «الدرب الأحمر» حدوده في شارع راتب باشا وميدان الحلمية وشارع على إبراهيم قبل أن يصل إلي نقطة نهايته أو بدايته في شارع محمد علي.

"البوابة أثرية عشان السياح كانت بتصورها"، قالها أحد قاطني شارع باب الوزير في الدرب الأحمر، معلقاً على هدم أحد البوابات في الشارع، ليرد عليه آخر سريعًا "لا مش آثار السياح بيصوروا أي حاجة"، ليعود رفعت أحمد سليمان إلى الحديث، الذي قال "إحنا مولدين في المنطقة دي ونعرف طول عمرنا أن البوابة أثرية، وأن البيت دة كان بيت مفتى الديار أيام الملك".

حسم الحديث صوته الغاضب، الذي علا قائلا "آثار ولا مش آثار إحنا محدش بيسأل فينا إلا لو حاجة من الآثار وقعت، وكأن الآثار أهم من البنى آدمين اللي هنا" قالها عم محمد الذي يعمل في إحدى ورش صناعة الأحذية في الدرب الأحمر التي اندلعت النار في إحدي عقاراتها التي تحوي 12 ورشة لصناعة الأحذية، وأسفر الحريق عن تفحم شاب وإصابة آخرين بحروق، ثم واصل عم محمد الغاضب "البيوت اللي بقى لها سنين مترممتش دي لو اتهدت على دماغنا مش هيزعلوا علينا، هيزعلوا عليها عشان هي دي آثار"

بحكمة تطل من عينيه وصوت هاديء، أنهى إسماعيل عبد السلام الذي يعمل في بيع الفول لأهالي «الدرب الأحمر» منذ 50 عامًا، قائلاً: "إحنا لا محافظة بتسأل فينا ولا حكومة مفيش غير الإعلام اللى بيجي يصور لما بوابة ولا بيت أثري يتهد ولا ينهار".

وعلى الرغم من أنه يبيع سلعة يأكلها الناس يوميا ًفي تلك المنطقة الشعبية، إلا أنه أيضًا يشتكي من ضيق الحال، لأن الناس لم يعد لديها "نفس للأكل"، مثلما يقول عم إسماعيل؛ ليصرخ بعدها مضيفًا "كل الناس اللى بتشتغل في المنطقة هنا بتشتغل باليومية؛ وبيوتنا تخربت من بعد الثورة، واتخربت أكتر من بعد ما مرسي مسك، عشان كدة أغلب الأهالي هنا مضوا على الورق بتاع تمرد قبل ما تخرب أكتر على إيد مرسي". 


نُشر على موقع جريدة الشروق بتاريخ 31 مايو 2013